في مقام أهل العلم في الناس الحمد لله الذي أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ويتحقق العدل بين المخلوقين وجعل لهم خلفاء يخلفونهم في أممهم علما وعملا ليكونوا قدوة للعاملين ومنارا للسالكين وشهداء على العالمين وهؤلاء الخلفاء هم العلماء الربانيون الذين اكتسبوا العلم ابتغاء وجه ربهم وربوا به الأمة علما وعملا فكانوا هداة مهتدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المتقين فليس بعده نبي وإنما هم العلماء كالأنبياء في هداية العالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن من أكبر نعمة عليكم أن حفظ عليكم هذا الدين برجاله المخلصين وهم العلماء العاملون الذين كانوا أعلاما يهتدى بهم وأئمة يقتدى بهم وأقطابا تدور عليهم معارف الأمة وأنوارا تتجلى بهم غياهب الظلمة فإن في وجود أمثال هؤلاء في الأمة حفظا لدينها وصونا لعزتها وكرامتها فإنهم السياج المتين يحول بين الدين وأعدائه والنور المبين تستنير به الأمة عند اشتباه الحق وخفائه وهم ورثة الأنبياء في أممهم وأمناؤهم على دينهم فإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر وهم شهداء الله في الأرض الذين شهدوا بالحق وأعلنوها على الملأ بأنه لا إله إلا الله وأنه سبحانه هو القائم بالقسط وأن كل حكم يخالف حكمه فهو ظلم وجور، قال الله تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران: ١٨] وهم شهداء الله في أرضه يشهدون أن رسله صادقون مصدقون وأنهم بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ونصحوا الأمة وجاهدوا في الله حق جهاده وهم شهداء الله في أرضه يشهدون بأحكامه على خلقه يقرؤون كتاب الله وسنة رسوله ويفهمونهما فيشهدون على الخلق بما فيهما من أحكام عادلة وأخبار صادقة فليس في الأمة كمثلهم ناصحا مخلصا يعلمون أحكام الله ويعظون عباد الله ويقودون الأمة لما فيه الخير والصلاح فهم القادة حقا وهم الزعماء المصلحون وهم أهل الخشية لله {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: ٢٨] ولهذا تكاثرت