للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرع التاسع في الجنايات والحدود والحسبة]

[الخطبة الأولى في عقوبة القاتل عمدا]

الفرع التاسع

في الجنايات والحدود والحسبة الخطبة الأولى

في عقوبة القاتل عمدا الحمد لله القوي العظيم الرءوف الرحيم يقضي بالحق ويحكم بالعدل وهو الحكيم العليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من العذاب الأليم والفوز بالنعيم المقيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على السراط المستقيم وسلم تسليما.

وأما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من حماية الدين والنفس والمال والعرض فلقد حمى الله لكم الدين بما أقام عليه من الآيات البينات حتى تتمسكوا به عن علم وبصيرة، وحماه لكم بما رتبه من الجزاء الوافر على فعل الحسنات لترغبوا فيها وتقيموها وحماه لكم بما حذركم به من عقوبة على المخالفات لترهبوا منها وتستقيموا على الأمر المطلوب منكم وحمى الله لكم الدين بما أقامه من الجهاد بالنفس والمال ولقد حمى الله لكم النفس فأكد تحريمها وحرمتها في كتابه وعلى لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقرن القتل بالشرك فقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: ٦٨] وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام: ١٥١] إلى قوله، {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: ١٥١] وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق» وذكر تمام الحديث، وقال النبي: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» (رواه البخاري) . وقال النبي: «لزوال الدنيا - يعني كلها - أهون عند الله من قتل رجل مسلم» . ومن أجل حرمة النفس وتحريمها رتب الله على قتلها عقوبات في الآخرة وعقوبات في الدنيا. أما عقوبات الآخرة فقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣] أربع عقوبات عظيمة كل واحدة منها توجل القلب وتفزع النفس - جهنم خالدا فيها فيا ويله ما أصبره على نار جهنم وقد فضلت على نار الدنيا كلها بتسعة وستين جزءا - وغضب الله عليه وبئسما حصل لنفسه من غضب الرب العظيم عليه - ولعنه فطرده وأبعده عن رحمته وأعد له عذابا

<<  <  ج: ص:  >  >>