للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرع الحادي عشر في القضاء والشهادة]

[الخطبة الأولى في التحذير من الرشوة]

الفرع الحادي عشر

في القضاء والشهادة الخطبة الأولى

في التحذير من الرشوة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وقوموا بما أوجب الله عليكم من أداء الأمانة في الأمور كلها قوموا بذلك مخلصين لله متبعين لأمره قاصدين بذلك إبراء ذمتكم وإصلاح مجتمعكم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ - وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٢٧ - ٢٨]

أيها المؤمنون: إن الأمانة ليست بالأمر الهين، إنها دين وذمة ومنهج وطريقة، إنها حمل ثقيل وعبء جسيم ومسئولية عظيمة إنها عرضت على السماوات والأرض والجبال، وما أعظمها قوة وصلابة فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وتحملتها أنت أيها الإنسان، تحملتها بما أنعم الله به عليك من العقل والفهم وبما أنزل الله إليك من الوحي والعلم، فبالعقل والفهم تدركون وتميزون وبالوحي والعلم تستنيرون وتهتدون، وبذلك كنتم أهلا لتحمل مسئولية الأمانة والقيام بأعبائها، فأدوا الأمانة كما حملتموها أدوها على الوجه الأكمل المطلوب منكم، لتنالوا بذلك رضا ربكم وصلاح مجتمعكم فإن بضياع الأمانة فساد المجتمع واختلال نظامه وتفكك أواصره.

أيها المسلمون: إن من حماية الله لهذه الأمانة أن حرم على عباده كل ما يكون سببا لضياعها أو نقصها، فحرم الرشوة وهي بذل المال للتوصل به إلى باطل، إما بإعطاء الباذل ما ليس من حقه أو إعفائه مما هو حق عليه، يقول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٨٨] ويقول سبحانه في ذم اليهود: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: ٤٢] والرشوة من السحت، كما فسر الآية به ابن مسعود وغيره وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الراشي والمرتشي، وفي لفظ لعنة الله على الراشي والمرتشي. وهذا إما خبر من

<<  <  ج: ص:  >  >>