في تفسير سورة العصر الحمد لله الذي من على عباده المؤمنين بدين يجمع كلمتهم، ويوحد صفوفهم، وأوجب عليهم أن يكونوا إخوانا للحق ناصرين وفي سبيل إقامته وإزالة ما يحول دون تحقيقه متعاونين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي وعد بنصر الحق وهو أصدق القائلين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين جمع الله به بعد الفرقة، وألف به بعد الخلاف، ونصر به الذلة، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى أصحابه وأتباعهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فقال الله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر: ١ - ٣] فأقسم الله تعالى بالعصر وهو الدهر الذي هو ميدان العاملين ومضمار المتسابقين، الدهر الذي يختلف الناس في استهلاكه اختلافا كبيرا. فمنهم من يستهلكه في طاعة مولاه، وإصلاح أمته، وهؤلاء هم الرابحون، ومنهم من يذهب عليه سبهللا، ومنهم من يستهلكه في معاصي الله، وإفساد أمته، وكلاهما من الخاسرين. أقسم الله بهذا العصر على أن كل إنسان من بني آدم، فهو في خيبة وخسر مهما كثر ماله وولده وعظم قدره، وشرفه إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة: أحدهما الإيمان، ويشمل كل ما يقرب إلى الله تعالى من اعتقاد صحيح وعلم نافع. الثاني: العمل الصالح، وهو كل قول أو فعل يقرب إلى الله بأن يكون فاعله لله مخلصا ولمحمد صلى الله عليه وسلم متبعا. الثالث: التواصي بالحق وهو التواصي على فعل الخير والحث عليه والترغيب فيه. الرابع التواصي بالصبر بأن يوصي بعضهم بعضا بالصبر على فعل أوامر الله، وترك محارم الله، وتحمل أقدار الله والتواصي بالحق والتواصي بالصبر يتضمنان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين بهما قوام الأمة وصلاحها ونصرها وحصول الشرف والفضيلة لها. فلقد جعلنا الله خير أمة أخرجت للناس وبين أسباب ذلك فقال:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران: ١١٠]
فاتقوا الله أيها المسلمون، وحققوا هذه الفضيلة التي فضلتم بها على العالمين، فتآمروا