[الخطبة الثانية في ذكر بعض آيات الله الكونية أيضا]
الخطبة الثانية
في ذكر بعض آيات الله الكونية أيضا الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وجعل في ذلك من المصالح العظيمة والحكم البالغة ما تتقاصر دونه فهوم ذوي الأفهام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدوس السلام وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الأنام ومصباح الظلام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام وسلم تسليما.
أما بعد أيها الناس: اتقوا ربكم واشكروه على ما هداكم وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون علمكم ما فيه صلاح دينكم ودنياكم وحجب عنكم من العلم ما لا تدركه عقولكم ولا تتعلق به مصالحكم رحمة بكم وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
علمكم كيف ابتدأ خلق هذا العالم وهو الأمر الذي لا يمكن علمه إلا من طريق الرسل صلوات الله وسلامه عليهم فكل من ذكر شيئا عن كيفية خلق السماوات والأرض فإن الواجب أن نعرض قوله على ما جاءت به الرسل فإن طابقه فهو مقبول وإن خالفه فهو مردود وإن كان مسكوتا عنه فيما جاءت به الرسل فإننا نتوقف فيه حتى يتبين لنا أمره من حق أو باطل.
لقد علمنا الله أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ابتدأ خلق الأرض في يومين وجعل فيها رواسي من فوقها وهيأها لما تصلح له من الأقوات في يومين آخرين فتلك أربعة أيام ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواهن سبع سموات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها فتلك ستة أيام خلق الله فيها السماوات والأرض وأودع فيهن مصالحهن فأخرج من الأرض ماءها ومرعاها وقدر الأقوات فيها تقديرا يناسب الزمان والمكان لتكون الأقوات متنوعة ومستمرة أنواعها في كل زمان وليتبادل الناس الأقوات فيما بينهم يصدر هذا إلى هذا وهذا إلى هذا فيحصل بذلك من المكاسب والاتصال بين الناس ما فيه مصلحة الجميع وزين الله السماء الدنيا بمصابيح وهي النجوم وجعلها رجوما للشياطين التي تسترق السمع من السماء وعلامات يهتدي بها الناس في البر والبحر.
وسخر لعباده الليل والنهار يتعاقبان على الأرض لتقوم مصالح العباد في دينهم ودنياهم