في تفسير آيات من سورة الواقعة الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب عبرة للمعتبرين وموعظة للمتقين ونبراسا منيرا للمهتدين فكان شفاء لما في الصدور ومصلحا لجميع الأمور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على جميع النبيين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وتدبروا كتاب ربكم الذي أنزله الله رحمة بكم وموعظة لكم وإصلاحا لدينكم ودنياكم ولا تعرضوا عنه فتبوؤا بالخسارة وقسوة القلوب والبعد عن خشية علام الغيوب.
إن القرآن موعظة من ربكم وشفاء لما في صدوركم ولا شيء أبلغ موعظة منه لمن تدبر القرآن وتفكر معناه ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب به في الجمعة كثيرا قالت أم هشام -رضي الله عنها- ما أخذت ق إلا عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس.
أيها المسلمون إن من أعظم المواعظ ما جاء في سورة الواقعة تلك السورة العظيمة التي تحدثت عن أحوال الناس يوم القيامة وحالتهم عند مفارقة الدنيا.
ابتدأ الله هذه السورة بجملة شرطية عن وقوع الساعة حذف جوابها ليذهب الذهن في تقديره كل مذهب ويسلك في تفخيمه كل طريق.
يقول الله تعالى:{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الواقعة: ١] وهي يوم القيامة يعني إذا وقعت رأيت أهوالا عظيمة وأحوالا متباينة {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا}[الواقعة: ٤] عظيما {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ}[الواقعة: ٥] ففتتت تفتيتا دقيقا {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا}[الواقعة: ٦] بعد أن كانت جبالا متماسكة صلبة ثابتة.
وفي هذا اليوم ينقسم الناس إلى ثلاثة أصناف سابقون وأصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة.
فالسابقون في هذه الدنيا إلى الطاعات هم السابقون يوم القيامة إلى الكرامة والجنات وهم المقربون إلى فاطر السماوات والأرض في دار لا يفنى نعيمها ولا يبلى جديدها ولا يتكدر صفوها نعيمها دائم وسرورها قائم {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ - مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ - يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ - بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ - لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ}[الواقعة: ١٥ - ١٩] هذا شرابهم أما طعامهم ففاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وأما نساؤهم فحور ذو بياض حسن صاف عين حسنات العيون منظرا وخلقة كأمثال اللؤلؤ المكنون في صدفه في غاية