[الخطبة الثانية في التحذير من إضاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
الخطبة الثانية
في التحذير من إضاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحمد لله الذي جعل أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس وفضلها على غيرها بما قامت به من واجبات عظيمة وصبر في البأساء والضراء وحين البأس، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير أحكم كل شيء شرعه وأتقن كل شيء صنعه وجعل لكل شيء سببا وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جاهد في الله حق جهاده وصبر وصابر حتى فاز بالنصر المبين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين مثلوا الدين وقاموا به وحققوا ما أمروا به على الوجه القويم وسلم تسليما.
عباد الله: لقد فخرت هذه الأمة وحق لها أن تفخر بما شهد الله لها به وفضلها على غيرها حيث يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران: ١١٠] فمن حقق هذه الأمور الثلاثة: الإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان من هذه الأمة التي فضلت على الناس، ومن لم يحققها خرج من هذا الوصف الجليل بقدر ما فاته من التحقيق.
عباد الله: إنكم لن تكونوا خير أمة أخرجت للناس حتى تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر، والمعروف كل ما أمر الله به ورسوله، والمنكر كل ما نهى الله عنه ورسوله.
أيها الناس: لقد مرضت القلوب وكاد المرض يقضي على بعضها بالموت حتى نزعت الغيرة الدينية من كثير منها، فأصبحت لا ترى المعروف معروفا ولا المنكر منكرا، أصبح الإنسان من هؤلاء لا يتمعر وجهه ولا يتغير من انتهاك حرمات الله وكأنه إذا حدث عن انتهاكها يحدث عن أمر عادي لا يؤبه له، وهذا والله هو الداء العضال الذي هو أعظم من فقد النفوس والأولاد والأموال. يا أمة محمد يا خير أمة أخرجت للناس، اتقوا ربكم وأمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر وتعاونوا على الحق، ولا تأخذكم في الله لومة لائم ولا يخوفكم الشيطان ولا يوهن عزائمكم، فإنكم والله إن صدقتم العزيمة وأخلصتم النية واتبعتم الحكمة في تقويم عباد الله وإصلاحهم فكل شيء يقوم ضدكم سيضمحل ويزول، فالباطل لن تثبت قدماه أمام الحق {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}[الأنبياء: ١٨] أيها المسلمون، إن الذي