في شيء من الفتن أيضا إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وأنيبوا إليه واثبتوا على دينه واستقيموا إليه فإن دين الله دين الحق ووسيلة الصلاح في الدنيا والآخرة واحذروا الزيغ والضلال عنه فإن في ذلك الفساد والشقاوة في الدنيا والآخرة واحذروا الفتن احذروا الفتن ما ظهر منها وما بطن. إن الفتن كل ما يصد عن دين الله من مال أو أهل أو ولد أو عمل:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ - فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا}[التغابن: ١٥ - ١٦] اتقوا فتنة ينتشر شرها وفسادها إلى الصالحين كما أصاب الظالمين {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال: ٢٥] احذروا فتنة العقيدة الباطلة والآراء المنحرفة والأخلاق السافلة، واحذروا كل فتنة في القول أو في الفعل فإن الفتن أوبئة فتاكة سريعة الانتشار إلى القلوب والأعمال إلى الجماعة والأفراد، فتصيب الصالح والطالح في آثارها وعقوباتها. فلقد حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته من الفتن، فقال:«بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا»(رواه مسلم) . إنها فتن مظلمة لا نور فيها كقطع الليل المظلم تؤثر في عقيدة المسلم بين عشية وضحاها يصبح مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا؛ وذلك لأنها فتن قوية ترد على إيمان ضعيف أضعفته المعاصي وأنهكته الشهوات، فلا يجد مقاومة لتلك الفتن ولا مدافعة فتفتك به فتكا وتمزقه كما يمزق السهم رميته.
أيها الناس إننا في هذا العصر، بما فتح علينا من الدنيا فتداعت علينا الأمم من أجلها فاختلطوا بنا. إننا بهذا الفتح الدنيوي لعلى مفترق طرق، وفي دور تحول نرجو ألا يكون تحورا فعلى دينكم أيها المؤمنون فاثبتوا ولطريق نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسلفكم الصالح رضي الله عنهم فاسلكوا. يقول ربكم تبارك وتعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: ١٥٣]