للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية في التحذير من التهاون بالشهادة]

الخطبة الثانية

في التحذير من التهاون بالشهادة الحمد لله الملك العظيم العزيز الحكيم، له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يعلم ما تخفون وما تعلنون {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ - وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: ١٩ - ٢٠] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الملك والحكم والتدبير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي بين لأمته ما فيه خيرها وسعادتها وحذرها من سوء العاقبة والمصير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى، وأقيموا الشهادة لله أقيموها لله وحده، لا تقيموها لقريب من أجل قرابته، ولا لصديق من أجل صداقته، ولا لغني من أجل غناه، ولا لفقير من أجل فقره، ولا تقيموها على بعيد من أجل بعده، ولا على عدو من أجل عدواته، أقيموا الشهادة لله وحده، أقيموها كما أمركم بذلك ربكم وخالقكم ومدبر أموركم والحاكم بينكم والعالم بسركم وعلانيتكم أقيموها كما قال الله سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: ١٣٥]

أيها المسلمون: إن الشهادة أمرها عظيم وخطرها جسيم في تحملها وأدائها فلا يحل كتمانها {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٨٣] ولا يحل أن يشهد إلا أن يكون عالما بما يشهد به علما يقينا، وأنه مطابق للواقع تماما فلا يحل أن يشهد بما لا يعلم، ولا بما يعلم أن الأمر بخلافه بل لا يحل أن يشهد، ولا بما يغلب على ظنه حتى يعلمه يقينا كما يعلم الشمس فعلى مثلها فليشهد أو ليترك.

أيها المسلمون: إن من الناس اليوم من يتهاون بالشهادة فيشهد بالظن المجرد، أو بما لا يعلم أو بما يعلم أن الواقع بخلافه يتجرأ على هذا الأمر المنكر العظيم مراعاة لقريب، أو توددا لصديق أو محاباة لغني، أو عطفا على فقير يقول إنه يريد الإصلاح بذلك زين له سوء عمله فرآه حسنا

<<  <  ج: ص:  >  >>