في غزوة الخندق الحمد لله الذي أرسل رسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وكان الله قويا عزيزا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعرفوا نعمة الله عليكم بما أمد به رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من النصر العزيز والفتح المبين وهذه سنة الله التي لا تبديل لها فمن ينصر الله ينصره إن الله لقوي عزيز. أيها المسلمون في هذا الشهر أعني شهر شوال من السنة الخامسة من الهجرة كانت وقعة الخندق التي اجتمع فيها أحزاب الشيطان على أولياء الرحمن وذلك أن يهود بني النضير حين أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة أرادوا أن يأخذوا بالثأر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب جمع منهم إلى قريش وغطفان وحرضوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم فتحزب الأحزاب لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت قريش بأربعة آلاف مقاتل وخرجت غطفان ومعهم ألف فارس وخرجت بنو مرة وهم أربعمائة وخرجت بنو أشجع وبنو سليم في نحو سبعمائة مقاتل وخرجت بنو أسد وكان عدد الأحزاب عشرة آلاف مقاتل فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه أيخرج إليهم أم يبقى في المدينة فأشار عليه سلمان الفارسي أن يحفر خندقا على المدينة يمنع العدو عنها فأمر صلى الله عليه وسلم بحفره شمالي المدينة من حرتها الشرقية إلى حرتها الغربية وشاركهم في حفره وكان المسلمون ثلاثة آلاف رجل وقد لحقهم من الجهد والجوع ما وصفه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نحفر يوم الخندق فعرضت كدية شديدة فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله: هذه كدية عرضت في الخندق فقام وبطنه من الجوع معصوب بحجر فلبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضربه فكان كثيبا مهيلا قال جابر فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت أهلي وقلت لامرأتي لقد رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان عليه من صبر فهل عندك من شيء قالت صاع شعير وعناق وهي الصغيرة من المعز فذبحتها وطحنت الشعير