في حكم التصرف في الوقف الحمد لله الذي جعل الأمانة في قلوب الرجال بعد أن أبى عن حملها السماوات والأرض والجبال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة على وجه الكمال صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الأيام والليال وسلم تسليما.
أما بعد، أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأدوا ما تحملتموه من الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، وقد أمركم الله في كتابه أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها على الوجه الذي تحملتموها عليه، وأن لا تخونوها بأخذ منها أو تصرف يضر بها. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا إيمان لمن لا أمانة له» وقال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم» وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلان بن فلان» . أيها المسلمون، ولقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الأمانة فقال:«ينام الرجل نومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» .
أيها المسلمون، إن الأمانة تكون في معاملة العبد مع ربه كما تكون في معاملة الخلق، فالأمانة في العبادة أن تقوم بأوامر الله مخلصا له متبعا لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تترك ما نهى الله عنه ممتثلا بذلك أمر الله ورسوله.
ألا وإن الأمانة تكون في البيع والشراء والصناعة والإجارة وولاية النكاح، والودائع التي تودع إياها، والأقوال التي تكون سرا بينك وبين صاحبك، والولايات التي تتولاها شرعا أو عرفا، فالوكيل أمين وولي اليتيم أمين وناظر الوقف أمين والفلاح أمين والراعي أمين. فالأمانة تكون في