في الصبر على أقدار الله الحمد لله الذي وعد الصابرين بغير حساب، وأثاب الشاكرين على النعم بدوامها والازدياد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من غير شك، ولا ارتياب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الرسل وخلاصة العباد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين والمآب وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى، وكونوا مع الصابرين، فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، والصبر حبس النفس على طاعة الله، وحبسها عن معصية الله، وحبسها عن التسخط من أقدار الله، وما أعطي الإنسان عطاء خيرا، وأوسع من الصبر، فإذا صبر الإنسان نفسه على طاعة الله، وثابر عليها صارت غريزة له وطبيعة يفرح بفعلها، ويغنم لفقدها، وإذا صبر نفسه عن المعصية تعودت ترك المعاصي، وصارت المعاصي مكروهة لديه وبغيضة عنده يفرح بفقدها، ويغتم لوجودها حتى يوفق للتوبة منها، وإذا صبر نفسه عن التسخط من أقدار الله صار راضيا مطمئنا بما قدره الله عليه إن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له فالإنسان يصاب بمصيبة في نفسه، ومصيبة في أهله، ومصيبة في ماله، ومصيبة في أصحابه، ومصيبة في نواح أخرى، فإذا قابل هذه المصائب بالصبر وانتظار الفرج من الله صارت المصائب تكفيرا لسيئاته، ورفعة في درجاته، وقد وردت الآيات، والأحاديث الكثيرة في ذلك، فقال الله تعالى {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: ١٥٥ - ١٥٧] وقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها، وقال لامرأة من الصحابيات: أبشري فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الحديد والفضة» وقال صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده حتى يلقى الله تعالى، وما عليه خطيئة» وقال: «ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها، إلا كتب له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة» وقال: «صداع المؤمن وشوكة يشاكها، أو شيء يؤذيه يرفعه الله بها يوم القيامة درجة، ويكفر عنه بها ذنوبه» الصداع وجع الرأس، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه