[الخطبة الثالثة في معنى الأمانة وشمولها لجميع الأعمال]
الخطبة الثالثة
في معنى الأمانة وشمولها لجميع الأعمال الحمد لله الذي فرض على العباد أداء الأمانة وحرم عليهم المكر السيء والغدر والخيانة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم القيامة ونؤمل بها الفوز بدار النعيم والكرامة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أتم به النعمة وبعثه للعالمين رحمة وللعاملين قدوة وعلى الطاغين حجة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في الدين والملة وسلم تسليما.
أما بعد، أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأدوا الأمانة التي حملتموها وتحملتم مسؤوليتها، أدوا الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، أدوا الأمانة فإنكم عنها مسؤولون وعلى حسب القيام بها والتفريط بها محاسبون، فإما مغتبطون بأدائها مسرورون وإما نادمون في إضاعتها خاسرون، أدوا الأمانة فيما بينكم وبين الله وأدوها فيما بينكم وبين عباد الله. فأما أداء الأمانة فيما بينكم وبين الله فأن تقوموا بطاعته مخلصين وتتعبدوا بما شرعه متبعين لا مفرطين ولا مفرطين، وأما أداء الأمانة فيما بينكم وبين العباد فأن تقوموا بما أوجب الله عليكم من حقوق العباد، وهذا أمر يختلف باختلاف الناس وأحوالهم، فكل إنسان عليه أمانة بحسب ما يقتضيه عمله الذي التزمه، فولاة الأمور صغارا وكبارا أمانتهم أن يقوموا بما فرض الله عليهم لمن تحت أيديهم من العدل، وأن يسيروا بالناس على حسب ما تقتضيه المصلحة في الدين والدنيا، وأن لا يحابوا في ذلك قريبا ولا صديقا ولا قويا ولا شريفا، وأن يولوا الأمور من هو أحق بها وأجدر وأقوم وأكفأ، والموظف بحسب حالة أمانته أن يقوم بوظيفته على حسب المطلوب منه، وأن لا يفرط في عمله أو يتأخر أو يتشاغل بغيره أو يتعدى إلى أمر لا يعنيه شرعا أو نظاما. وهاهنا أمر ينبغي لكل موظف أن يلاحظه وهو أن بعض الموظفين ربما يتوانى في تطبيق النظام بحجة أن هذه أنظمة ليست مما أوجبه الشرع، أو أن الأجرة والراتب الذي يتقاضاه من بيت المال ونحو ذلك، وهذه الحجة غير صحيحة. أما كونه ليس من الأنظمة الشرعية فإنه من الأنظمة التي سنها ولاة الأمور وألزموا الموظف القيام بها، وما سنه ولاة الأمور ولم يكن فيه معصية لله ورسوله فإنه يجب اتباعه لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: ٥٩]