للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية فيما يجب إخراجه من زكاة الثمار]

الخطبة الثانية

فيما يجب إخراجه من زكاة الثمار الحمد لله الذي من على عباده بما أخرج لهم من الزروع والثمار، وأنعم عليهم بمشروعية صرفها فيما يرضيه عنهم من غير إسراف، ولا إقتار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العزة والاقتدار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان آناء الليل والنهار، وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما أمدكم به من أموال وبنين وجنات وعيون، أمدكم بثمرات النخيل تتفكهون بها رطبا ويسرا، ثم تدخرونها قوتا وتمرا، فهو الذي خلقها، وأوجدها وهو الذي نماها، وأصلحها، وهو الذي نوعها جودا ورداءة وقسمها، اشكروا الذي أبقاكم حتى أدركتم جناها، واشكروا الذي شرع لكم الإنفاق منها على ما يرضيه، وزكاها، أدوا ما أوجب الله عليكم فيها من الزكاة لتفوزوا بالخلف العاجل والثواب الجزيل من جزيل العطايا والهبات: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: ٣٩]

عباد الله أتحسبون أن ما تخرجونه من الزكاة لا ينفعكم؟ أتحسبون أن ما تخرجونه من ذلك فائت عليكم غير مدخر لكم؟ أتحسبون أن ذلك غرم وخسارة؟ لا والذي خلق الحبة، وبرأ النسمة إن ما تخرجونه من ذلك هو ما تبقونه لأنفسكم في الحقيقة، وهو المال الرابح: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: ٢٠] وإن الذي تبقونه، وتبخلون به هو المال الزائل؛ لأنكم إما أن تأكلوه في حياتكم، فيفنى أو تتركوه لمن بعدكم بعد موتكم، فيغنمه الوارث البعيد، أو الأدنى هذا هو حقيقة ما تبقونه من المال وتلك حقيقة ما تقدمونه عند الملك العلام. «ذبح آل النبي صلى الله عليه وسلم شاة، فتصدقوا بها، ولم يبق منها إلا الكتف، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ما بقي منها؟ " فقالت عائشة: ما بقي منها إلا كتفها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بقي كلها إلا كتفها» . صلى الله عليه وسلم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الذي بقي من الشاة حقيقة هو ما تصدقوا به؛ لأنه هو الذي سيجدونه مدخرا عند الله، أما ما أبقوه فسيفنى.

عباد الله إن النفوس مجبولة على الشح، ولكن من يوق شح نفسه فقد أفلح. إن الشيطان يعدكم الفقر، ويأمركم بالبخل، ولا سيما البخل بالزكاة؛ لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام فهو حريص على أن تبخلوا بها حريص على أن تمنعوها بالكلية، أو أن تمنعوا ما يجب فيها من قدر

<<  <  ج: ص:  >  >>