في أداء الأمانة الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم المولى ونعم النصير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد، أيها المؤمنون: اتقو الله تعالى، اتقوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم اتقوا الله تعالى في السر والعلانية اتقوا الله تعالى بأداء الأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال أن تحملها وأنتم حملتموها فأدوها كما تحملتموها، أدوا الأمانة في حقوق الله وحقوق العباد. فأداء الأمانة في حقوق الله أن تعبدوا الله مخلصين له الدين ومتبعين لسيد المرسلين لا تشركوا بالله في أعمالكم ولا تراؤوا فيها، فإن من راءى راءى الله به فأظهر رياءه للعالمين وفضحه بين الخلائق أجمعين. ألا وإن من علامات الرياء كون الإنسان يعصي الله في السر حين لا يطلع إلا الله ويظهر خشية الله في العلانية حين يراه الناس. أما أداء الأمانة في حقوق العباد فهو أن يعاملهم على وجه النصح والإخلاص من غير غش ولا كذب ولا خيانة في جميع ميادين الحياة. فعلى ولاة الأمور أن يؤدوا ما أوجب الله عليهم من تفقد أحوال من في ولايتهم والسلوك بهم على ما يرونه أنفع لهم في دينهم ودنياهم، وهم مسؤولون عن ذلك أمام الله، وعلى من تحتهم من الرعية أن يؤدوا الأمانة في حقوق أولياء الأمور فيأخذوا بإرشاداتهم ويطيعوا أوامرهم في غير معصية الله، وعليهم أن يكفوا عن عيوبهم فإن أمكنهم إزالتها بمناصحتهم فذلك هو الواجب عليهم، وإن لم يتمكنوا من ذلك فليسألوا الله لهم الهداية وإصلاح بطانتهم؛ لأن في صلاحهم صلاح الرعية كما أن صلاح الرعية سبب لصلاح الراعي، فأحوال الراعي والرعية متشابهة متلازمة. وعلى الذين يتولون التعليم في جميع مراحله في الابتدائي والمتوسط والثانوي وما فوقه أن يؤدوا الأمانة في التعليم فيسلكوا بالطلبة أقرب الطرق إلى تفهيمهم وتعليمهم، وليعاملوا كل طائفة بما تتحمله عقولهم وأفهامهم، وعليهم أن يركزوا في نفوسهم حب الله وحب رسوله والمؤمنين، وأن يغرسوا في نفوسهم قواعد الدين وأسسه وأهدافه ليرسخ في قلوبهم، وعلى المعلم أن يمثل أمام الطلبة بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة، فإن المتعلم يقتدي بمظاهر المعلم وأخلاقه أكثر مما يقتدي به في تعليمه، فمتى عرف المعلم