للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الرابعة في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم]

الخطبة الرابعة

في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أرسل رسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله والشكر له على ما أولانا من واسع كرمه وفضله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هدى من هدى بفضله وأضل من أضل بحكمته وعدله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى من جميع خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وصحبته وسلم تسليما.

أما بعد: ففي هذا الشهر شهر ربيع الأول من العام الثالث عشر من البعثة وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا من مكة البلد الأول للوحي وأحب البلاد إلى رسول الله ورسوله خرج من مكة مهاجرا بإذن ربه بعد أن قام بمكة ثلاث عشرة سنة يبلغ رسالة ربه ويدعو إليه على بصيرة فلم يجد من أكثر قريش وأكابرهم سوى الرفض لدعوته والإعراض عنها والإيذاء الشديد للرسول صلى الله عليه وسلم ومن آمن به حتى آل الأمر بهم إلى تنفيذ خطة المكر والخداع لقتل النبي صلى الله عليه وسلم حيث اجتمع كبراؤهم في دار الندوة وتشاوروا ماذا يفعلون برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوا أصحابه يهاجرون إلى المدينة وأنه لا بد أن يلحق بهم ويجد النصرة والعون من الأنصار الذين بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم وحينئذ تكون له الدولة على قريش فقال عدو الله أبو جهل الرأي أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا ثم نعطي كل واحد سيفا صارما ثم يعمدوا إلى محمد فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه فيتفرق دمه في القبائل فلا يستطيع بنو عبد مناف يعني عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم أن يحاربوا قومهم جميعا فيرضون بالدية فنعطيهم إياها.

الله أكبر هكذا يخطط أعداء الله للقضاء على رسول الله وبهذا القدر من المكر والخديعة ولكنهم يمكرون ويمكر الله كما قال الله عز وجل: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: ٣٠] فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بما أراد المشركون وأذن له بالهجرة وكان أبو بكر رضي الله عنه قد تجهز من قبل للهجرة إلى المدينة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي» فتأخر أبو بكر رضي الله عنه ليصحب النبي صلى الله عليه وسلم. قالت عائشة رضي الله عنها «فبينما نحن في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة في منتصف النهار إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم على الباب متقنعا فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي والله

<<  <  ج: ص:  >  >>