[الخطبة الثانية في مبدأ حياة النبي صلى الله عليه وسلم]
الخطبة الثانية
في مبدأ حياة النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه بالحق المبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى الخلق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به على عباده من إرسال الرسل وإنزال الكتب ونشر الحق بين الخلق فإن العقل البشري لا يمكن أن يهتدي إلى معرفة الخالق تفصيلا ولا يمكنه أن يتعبد لله بما لا يدركه تحصيلا ولا يمكنه أن يعامل غيره بطريق الحق والعدل إلا بالوحي الذي بين الله به كيف يعرف العبد ربه وكيف يقيم عبادته وكيف يعامل غيره فكان الرسل عليهم الصلاة والسلام مبينين لعبادة الخلاق ومتممين لمكارم الأخلاق.
كان الناس على ملة واحدة دين أبيهم آدم فلما كثروا تفرقت كلمتهم واختلفت آرائهم فبعث الله إليهم رسله ليقوم الناس بالقسط فبدأ الله الرسالة بنوح عليه الصلاة والسلام وختمها بمحمد صلى الله عليه وسلم. فمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأفضلهم أرسله الله تعالى على حين فترة من سلالة إسماعيل بن إبراهيم من صميم العرب فكان أكرم الناس نسبا وأطيبهم مولدا فولد صلى الله عليه وسلم بمكة في يوم الاثنين في الثاني من شهر ربيع الأول وقيل في الثامن وقيل في التاسع وقيل في العاشر وقيل في الثاني عشر وقيل في السابع عشر وقيل في الثاني والعشرين في العام الذي أهلك الله به أصحاب الفيل اللذين أرادوا هدم الكعبة فأنزل الله فيهم سورة من القرآن. ولدته أمه آمنة من أبيه عبد الله بن عبد المطلب وقد رأت أمه قبل ولادته أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام فمات أبوه في المدينة قبل أن يولد صلى الله عليه وسلم وماتت أمه بالأبواء في طريق المدينة وهو في السادسة من عمره فكفله جده عبد المطلب ثم مات ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الثامنة من عمره فنشأ صلى الله عليه وسلم يتيم الأبوين والجد ولكن الله تعالى آواه وهو نعم المولى ونعم النصير فيسر الله له عمه أبا طالب شقيق أبيه فضمه إلى عياله وأحسن كفالته وأحبه حبا شديدا وبارك الله