للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية في أن من تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدة]

الخطبة الثانية

في أن من تعرف إلى الله في الرخاء عرفه في الشدة الحمد لله ذي الفضل العظيم والخير الواسع العميم أنعم على عباده بنعم لا تحصى ودفع عنهم من النقم ما لا يعد ولا يستقصى وتفضل عليهم بالعمل الصالح وجازاهم عليه أفضل الجزاء وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العلي الأعلى وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي وصل بفضل ربه إلى أعلى مكان يصله الورى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليمًا.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وتعرفوا إلى ربكم في الرخاء يعرفكم في الشدة تعرفوا إليه بالقيام بطاعته رغبة في ثوابه وبالابتعاد عن معصيته خوفًا من عقابه. إن رخاء العيش وطيب الحال من النعم التي تستوجب الشكر على العباد والقيام بطاعة المنعم الجواد وإن الإنسان في حال الرخاء يستطيع أن يعمل ما لا يمكنه القيام به في حال الشدة لأنه معافى في بدنه وآمن في بلده ومترف في جسده ولكن هذه الأحوال لا تدوم فقد يعقبها شدة فيصبح مريضًا بعد العافية وخائفًا بعد الأمن وجائعًا بعد الشبع والترف فإذا كان العبد متعرفًا إلى ربه في حال الرخاء عرفه الله في حال الشدة فلطف به وأعانه على شدائده ويسر أموره. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ - وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: ٢ - ٤] ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته مثلًا على ذلك فيما قصه علينا من نبأ «ثلاثة ممن كانوا قبلنا انطلقوا فآواهم المبيت إلى غار فانحدرت صخرة من الجبل فسدت الغار عليهم فقال بعضهم لبعض إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال أحدهم اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلًا ولا مالًا فنأى بي طلب الشجر يومًا فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أحدًا فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى طلع الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي حتى استيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة قليلًا. وقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين أي احتاجت فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي

<<  <  ج: ص:  >  >>