في التحذير من إطلاق اللسان الحمد لله الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ - مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: ١٧ - ١٨] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء شهيد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف العبيد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المزيد وسلم تسليما.
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أنه ما من أحد منكم إلا وقد وكل الله به ملكين أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال، أحدهما مأمور بكتب الحسنات والثاني مأمور بكتب السيئات، فما تلفظون من قول ولا تعملون من عمل إلا كتب عليكم وأحصي عليكم إحصاء لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، سواء تلفظتم بذلك جهرا وسرا وسواء فعلتم الفعل خفية أو علانية فكل ذلك يكتب عليكم ويحصى ثم تنبئون بما عملتم يوم القيامة ويعطى كل إنسان كتابه فيقال:{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء: ١٤] فطوبى لعبد ملأ كتابه بالخير والأعمال الصالحات وبؤس لمن سود كتابه بالشر والأعمال السيئات.
أيها الناس: كلنا نؤمن بذلك إن شاء الله نؤمن بأن ما عملنا من قول أو فعل فإنه مكتوب محصى سواء كان صغيرا أم كبيرا، ولكن الكثير منا يعملون العمل جزافا كأنه غير مكتوب عليهم يطلقون الكلام القبيح من غير مبالاة يلعنون من لا يستحق اللعن، تجد الواحد منهم يلعن أخاه المسلم وربما لعن أخاه لأبيه وأمه وربما لعن ولده أو أمه أو أباه، وهذا غاية ما يكون من الجهل والحماقة فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة» وفي الحديث عنه أنه قال: «إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإن لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان أهلا وإلا رجعت إلى قائلها» وتجد الواحد من الناس يسب أخاه عند المخاصمة سبا قبيحا قد يكون متصفا به وقد يكون غير متصف به، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم» يعني أن إثم المتسابين يكون على من ابتدأ السب أولا إلا أن يعتدي المظلوم. وتجد بعض الناس