للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الخامسة في بر الوالدين]

الخطبة الخامسة

في بر الوالدين إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وقوموا بما أوجب الله عليكم من حقه وحقوق عباده ألا وإن أعظم حقوق العباد عليكم حق الوالدين وحق الأقارب فقد جعل الله ذلك في المرتبة التي تلي حق الله المتضمن لحقه وحق رسوله فقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: ٣٦] وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان: ١٤] وبين العلة في ذلك إغراء للأولاد وحثًّا لهم على الاعتناء بهذه الوصية فقال: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: ١٤] أي ضعفًا على ضعف ومشقةً على مشقة في الحمل وعند الولادة ثم في حضنه في حجرها وإرضاعه قبل انفصاله فقال تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: ١٤] ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين مقدمًا على الجهاد في سبيل الله. ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى قال الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله» . وفي صحيح مسلم أن «رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله قال فهل من والديك أحد حي قال نعم بل كلاهما قال فتبغي الأجر من الله تعالى قال نعم قال فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» . وفي حديث إسناده جيد أن «رجلًا قال يا رسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه قال: هل بقي من والديك أحد قال نعم أمي قال قابل الله في برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد» . وقد أوصى الله تعالى بصحبة المعروف للوالدين في الدنيا وإن كانا كافرين بل وإن كان يأمران ولدهما المسلم أن يكفر بالله لكن لا يطيعهما في الكفر فقال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ} [لقمان: ١٥] أي بذلا جهدهما {عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: ١٥] وفي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت

<<  <  ج: ص:  >  >>