[الخطبة الخامسة في الحث على التمسك بكتاب الله والتحذير من مخالفته]
الخطبة الخامسة
في الحث على التمسك بكتاب الله والتحذير من مخالفته الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عوجا، أنزله قيما يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذي يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، ماكثين فيها أبدا، وينذر به قوما لدا خصمين حججا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ينال بها مخلصها من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أقوم الناس في عبادة ربه، وأسدهم منهجا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن بهداهم اهتدى، فنجا، وسلم تسليما.
أما بعد: فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ - قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: ٥٧ - ٥٨] أيها الناس إن هذه الموعظة التي جاءتكم من ربكم هو كتاب الله، وما تضمنه من أخبار صادقة نافعة وأحكام عادلة مصلحة للخلق ليس في دينهم، فحسب ولكن في دينهم ودنياهم إنه موعظة يتعظ بها العبد، فيستقيم على أمر الله، ويسير على نهجه وشريعته. إنه شفاء لما في الصدور، وهي القلوب شفاء لها من مرض الشك والجحود والاستكبار عن الحق أو على الخلق إنه شفاء لما في الصدور من الرياء والنفاق والحسد والغل والحقد والبغضاء والعداوة للمؤمنين. إنه شفاء لما في الصدور من الهم والغم والقلق، فلا عيش أطيب من عيش المتعظين بهذا القرآن المهتدين به، ولا نعيم أتم من نعيمهم، ولهذا قال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف يعنون ما فيهم من شرح الصدور بالإيمان بالله والسرور بطاعته وعبادته. إن هذا القرآن هدى ومنار للسالكين، يخرجون به من الظلمات إلى النور، ويهتدون به إلى خالقهم، وإلى دار كرامته، فهو هدي علم وتوفيق ورحمة، لكن للمؤمنين به، أما المكذبون به، والمستكبرون عنه، فلا يزيدهم إلا عمى وخسارا:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[فصلت: ٤٤]{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}[الإسراء: ٨٢]
أيها الناس قد تتساءلون كيف يكون الكلام الواحد لقوم هدى وشفاء ورحمة ولقوم