للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخرين ضلالا وعمى وخسارا، والجواب على ذلك أن هذا هو ما نطق به القرآن، وهو حق، وها نحن نرى في الأمور الحسية ما يشهد لذلك نرى بعض الطعام يكون لشخص غذاء يزداد به جسمه صحة ونموا، ويكون لشخص آخر داء يزداد به جسمه مرضا وضعفا، فهكذا الأمور المعنوية، فالقرآن إذا أقره المؤمن ازداد به إيمانا لتصديقه بأخباره واعتباره بقصصه وتطبيقه لأحكامه امتثالا لأمر الله واجتنابا لنهيه، فيزداد بذلك علما وهدى وصلاحا. وإذا قرأه ضعيف الإيمان ومن في قلبه مرض ازداد رجسا إلى رجسه لتشككه في صحة أخباره أو غفلته عن الاعتبار بقصصه، فيمر بها كأنها قصص عابرة وأساطير أمم غابرة لا توقظ له ضميرا، ولا تحرك له إرادة. أو استكباره عن تطبيق أحكامه وتهاونه بها، فلا يمتثل أوامره، ولا يجتنب نواهيه تقديما لهواه على طاعة مولاه، فيكون القرآن خسارة له؛ لأن الحق بان له، فخالفه، فكان بذلك خاسرا.

أيها الناس يقول الله تعالى في الآية الأولى مما سقناه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: ٥٨] إن ما يحصل للعبد من فضل الله ورحمته بهذا القرآن العظيم من الهدى والرحمة والموعظة، وشفاء ما في الصدور لهو الجدير بأن يفرح به العبد؛ لأنه سعادة دنياه وأخرته ليس من الجدير بالعبد أن يفرح بحطام من الدنيا يحصله على حساب عمل الآخرة، فليس المال مخلدا لأصحابه، ولا أصحابه بمخلدين له، أما ما يحصل من فضل الله ورحمته بهذا القرآن الكريم فهو الخالد الباقي لأصحابه، وهو خير مما يجمعون من الدنيا كلها؛ لأن غايته الوصول إلى الجنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها» . هكذا يقول أعلم الخلق بما عند الله، وهو الناصح الأمين الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، موضع السوط في الجنة وهو مقدار متر فأقل خير من الدنيا كلها وما فيها، ليس للدنيا التي عشت فيها فقط، ولكنها الدنيا من أولها إلى آخرها موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها؛ لأن الدنيا وما فيها متاع زائل كحلم نائم أما ما في الجنة، فباق لا يزول: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا - وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: ١٦ - ١٧]

أيها الناس إن كثيرا منكم يسمعون ما يتلى من كتاب الله تعالى، وما يؤثر من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأخبار الصادقة والأحكام العادلة يسمعون ذلك من الخطباء والوعاظ في المساجد

<<  <  ج: ص:  >  >>