في حقوق الرعية والرعاة الحمد لله القهار القوي العزيز الجبار ذلت لعظمته الصعاب وحسرت عن بلوغ غاية حكمته الألباب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والكبرياء والاقتدار وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله شرع لعباده على لسان أفضل خلقه شريعة كاملة في نظامها وتنظيمها كاملة في العبادات والحقوق والمعاملات كاملة في السياسة والتدبير والولايات جعل الولاية فيها فرض كفاية سواء كانت تشريعية كالقضاء أو تنفيذية كالإمارة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: ٥٩] فلا بد من ولي أمر ولا بد من طاعته وإلا فسد الناس وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم»(رواه أحمد في المسند ص ١٧٧ ج٢) وقال «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم»(رواه أبو داود ص ٣٤ ج٢) فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم التأمير في السفر مع أنه اجتماع عارض غير مستقر فكيف بالاجتماع الدائم المستقر. وجاءت هذه الشريعة الكاملة التي أوجبت الولاية لقيام الناس بالعدل جاءت بواجبات على الولاة وعلى الرعية وألزمت كل واحد منها بالقيام بها حتى يستتب الأمن ويحل النظام والتآزر بين الحاكمين والمحكومين.
أما حقوق الولاة على رعيتهم فهي النصح والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة بسلوك أقرب الطرق إلى توجيههم وإرشادهم وأن لا يتخذ من خطئهم - إذا أخطأوا - وهم معرضون للخطأ كغيرهم من بني آدم لكن لا يتخذ من هذا الخطأ سلما للقدح فيهم ونشر عيوبهم بين الناس فإن هذا يوجب التنفير عنهم وكراهيتهم وكراهية ما يقومون به من أعمال وإن كانت حقا ويوجب بالتالي التمرد عليهم وعدم السمع والطاعة وفي ذلك تفكيك المجتمع وحدوث الفوضى والفساد.
ومن حقوق الولاة على رعيتهم السمع والطاعة بامتثال ما أمروا به وترك ما نهوا عنه ما لم يكن في ذلك مخافة لشريعة الله فإن كان في ذلك مخالفة لشريعة الله فلا سمع لهم ولا طاعة