للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثالثة في تحريم لبس الذهب على الرجال]

الخطبة الثالثة

في تحريم لبس الذهب على الرجال الحمد لله الولي الحميد الواسع المجيد، حكم عباده كونا وشرعا بما يريد، فقضى لهم ما تقتضيه حكمته، وشرع لهم ما فيه مصلحتهم رحمة بهم، وهو أرحم الراحمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الخلق أجمعين أعلم الخلق بالله، وأتقاهم لله، وأنصحهم لعباد الله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨] صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.

أما بعد: أيها المسلمون اتقو الله تعالى، وتدرعوا بلباس التقوى، فلباس التقوى ذلك خير. لباس التقوى لباس يقيكم من النار، ويكون سببا لرزقكم، وتيسير أموركم في هذه الدار. إن لباس التقوى ما يقي به المرء محارم الله تعالى، ويستعين به على طاعته لتكون له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة (العاقبة للمتقين) . وإن من الناس من خلعوا لباس التقوى في لباس ما حرم الله عليهم من الزينة كأنهم شاركوا الرب سبحانه في التحليل والتحريم، فأحلوا لأنفسهم ما حرم الله عليهم، أو نابذوا الله تعالى في المعصية، فاجترؤا على معصية الله غير مبالين بذلك. لقد لبس قوم الذهب، لبسوه في أيديهم خواتيم وأسورة، ولبسوه في أعناقهم قلائد وسلاسل ولبسوه في صدورهم أزارير ومرصعات سبحان الله رجال يتحلون بالذهب لينزلوا عن كمالهم الذي وهبهم الله إياه إلى نقص النساء: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: ١٨] نزلوا بأنفسهم ليشاركوا النساء فيما خصهن الله به من الزينة تلك الزينة التي خصت بها المرأة لتتجمل بها لزوجها، فيرغب فيها، ولتجبر بها ما كان فيها من نقص. إن مقتضى الرجولة أن يكون الرجل كاملا برجولته يتطلب ما به كمال رجولته من شهامة وكرم ونظر في شؤون دينه ودنياه، وليس بحاجة أن ينزل بنفسه إلى مستوى النساء، وتتبع مثل هذه السفاسف التي تبعده عما هيئ له من الشئون العظيمة المثمرة في حياته الخاصة وحياة مجتمعه.

أيها المسلمون لقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لباس الذهب على ذكور أمته فروى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا وذهبا فقال: «هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم» . قف، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم على ذكور أمتي فإن هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>