في صفة الحج والعمرة الحمد لله الذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين وقدوة للعاملين وحجة على العباد أجمعين، واختار له دينا قيما مبنيا على الإخلاص لله والتيسير، فليس فيه حرج، ولا شدة، ولا تعسير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق، فأتقن، وشرع، فأحكم وهو خير الحاكمين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على الخلق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس، فإنكم تستقبلون في هذه الأيام السفر إلى بيت الله الحرام، ترجون من ربكم مغفرة الذنوب والآثام، وتأملون الفوز بالنعيم المقيم في دار السلام، وتؤمنون بالخلف العاجل من ذي الجلال والإكرام.
أيها المسلمون إنكم تتوجهون في زمان فاضل إلى أمكنة فاضلة ومشاعر معظمة تؤدون عبادة من أجل العبادات لا تريدون بذلك فخرا ولا رياء ولا نزهة ولا طربا، وإنما تريدون وجه الله والدار الآخرة، فأدوا هذه العبادة كما أمرتم من غير غلو ولا تقصير ليحصل لكم ما أردتم من مغفرة الذنوب، والفوز بالنعيم المقيم، قوموا في سفركم وإقامتكم بما أوجب الله عليكم من الطهارة والصلاة وغيرهما من شعائر الدين. إذا وجدتم الماء، فتطهروا به للصلاة، فإن لم تجدوا ماء، فتيمموا صعيدا طيبا، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم عنه. أدوا الصلاة جماعة، ولا تتشاغلوا عنها بأشغال يمكنكم قضاؤها بعد الصلاة صلوا الرباعية قصرا، فصلوا الظهر والعصر والعشاء الآخرة على ركعتين من خروجكم من بلدكم إلى رجوعكم إليها، إلا أن تصلوا خلف إمام يتم الصلاة، فأتموها أربعا. اجمعوا بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسبما يتيسر لكم إن كنتم سائرين، أما إن كنتم مقيمين في مكة أو منى أو غيرها، فالسنة ألا تجمعوا، وإن جمعتم فلا بأس. تخلقوا بالأخلاق الفاضلة من الصدق والسماحة وبشاشة الوجه، والكرم بالمال والبدن والجاه، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين، واصبروا على المشقة والأذى، فإن الله مع الصابرين. وقد قيل: إنما سمي السفر سفرا؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال. فإذا وصلتم الميقات، فاغتسلوا، وتطيبوا في أبدانكم في الرأس واللحية، والبسوا ثياب الإحرام غير مطيبة إزارا ورداء أبيضين للذكور وللنساء ما شئن من الثياب غير متبرجات