في أنواع الحدود الحمد لله القوي العظيم العزيز الحكيم شرع عقوبة المجرمين منعا للفساد ورحمة للعالمين وكفارة لجرائم الطاغين المعتدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل النبيين وقائد المصلحين، وأرحم الخلق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعرفوا نعمته عليكم وحكمته فيما شرع لكم من هذا الدين القويم الكامل الجامع بين الرحمة والحكمة رحمة في إصلاح الخلق وحكمة في سلوك الطريق الموصل إلى هذا الهدف.
أيها الناس إن من طبيعة البشر أن يكون لهم أفكار متباينة ونزعات مختلفة فمنها نزعات إلى الحق والخير ومنها نزعات إلى الباطل والشر كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}[التغابن: ٢] وقال تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[الليل: ٤] ولما كانت النفوس الشريرة والنزعات الباطلة والأعمال السيئة في حاجة ملحة إلى ما يكبح جماحها ويخفف من حدتها فرض رب العالمين برحمته وحكمته حدودا وعقوبات متنوعة بحسب الجرائم لتردع المعتدي وتصلح الفاسد وتقيم الأعوج وتكفر عن المجرم جريمته فلا يجمع له بين عقوبتي الدنيا والآخرة.
ففرض عقوبة القاذف الذي يصف المحصنين الأعفاء بالزنا فإذا قال المرء لرجل عفيف أو امرأة عفيفة عن الزنا يا زاني أو يا زانية طولب بالبينة التي تثبت ذلك فإن أتى بها وإلا جلد ثمانين جلدة ولم تقبل له شهادة أبدا وكان من الفاسقين إلا أن يتوب وإنما أوجب الله جلده ثمانين حماية للأعراض ودفعا عن تهمة المقذوف قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}[النور: ٤] الآيتين. وفرض الله عقوبة الزاني إذا لم يكن محصنا بأن يجلد مائة جلدة أمام الناس وينفى عن البلد مدة سنة كاملة، أما إذا كان الزاني محصنا وهو الذي قد تزوج وجامع زوجته فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت ثم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين. وإنما أوجب الله رجمه بالحجارة دون أن يقتل بالسيف لأن اللذة المحرمة شملت جميع بدنه فكان من الأنسب أن يرجم