للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة السادسة في أن ترقي علوم الصناعة من تعليم الله]

الخطبة السادسة

في أن ترقي علوم الصناعة من تعليم الله الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغني الأكرم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلى العرب والعجم -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه- ومن تمسك بهديهم الأقوم وسلم تسليما.

أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وإنه ما من شيء يحدث في السماوات والأرض إلا وهو عالم به سبحانه مقدر له قبل خلق السماوات والأرض ولقد أبدع الله الكون وأتقنه: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: ٨٨] وكرم الله بني آدم وحملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات وسخر لهم الليل والنهار والشمس والقمر بل سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه.

أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ورباهم بالإدراك والعقل فجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة وفتح لهم مدارك العلوم فبحثوا فيما سخر الله لهم من ذلك فاستخرجوا منه الأمور الغريبة ما بين ضروري وكمالي ونافع وضار وكل ما أوتوا من علم أو قدرة فإنما هو من الله تعالى لو شاء لسلبهم العلم فكانوا جهالا ولو شاء لسلبهم القدرة فكانوا عاجزين ولكنه تعالى من عليهم بالعلم والقدرة على وجه محدود فمهما أوتوا من علم أو قدرة فإنه يسير ويسير جدا بالنسبة إلى علم الله وقدرته: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥] ولقد كان من الأمور التي علم الله عباده وأقدرهم عليها علم الصناعة الذي بلغ في عصرنا مبلغا كبيرا لا يتصوره أحد من قبل. هذه المراكب البحرية التي تمخر عباب البحر بكل قوة وأمان حاملة ما شاء الله تعالى من نفوس وأموال تقطع المسافات الطويلة في أمن وطمأنينة إنما حصلت هذه المراكب بما فتح الله على صانعيها من إدراك وفهم وبما يسر الله لهم من المواد التي تركبت منها هذه المراكب وسارت بها.

وهذه المراكب الجوية التي تجوب الفضاء من المشرق إلى المغرب على متن الهواء حاملة ما شاء الله من نفوس وأموال تقطع المسافات البعيدة بتلك السرعة الهائلة والارتفاع الشاهق هي من صنع الإنسان بلا شك ولكنها من العلم الذي من الله به عليه والأمور التي سخرها له ولو شاء الله تعالى ما فعلوه ومن الذي يتصور قبل ما حدث وشاهدناه بأعيننا أن هذه الطائرات الضخمة التي تحمل

<<  <  ج: ص:  >  >>