في المشورة الحمد لله الذي فتح لعباده طريق الفلاح وأرشدهم إلى ما فيه الخير والبر والتقى والصلاح، وأمرهم بالاجتماع على الحق وجعل أمرهم شورى بينهم ليتحقق لهم الفوز والنجاح، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فالق الحب والنوى وفالق الإصباح، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بددت رسالته ظلمات الجهل والظلم كما بدد ظلام الليل نور الصباح صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما أشرق الفجر ولاح وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واستقيموا على أوامره وطبقوها في أموركم العامة والخاصة إن كنتم تريدون السعادة في الدنيا والآخرة، واعلموا أن من خصال المؤمنين وطريق المتقين وسبيل الذين يريدون الوصول إلى الغايات والأهداف النافعة أن يتبادلوا النصح فيما بينهم، وأن يتشاوروا في الأمور التي تهمهم. ولا بد للتشاور في الأمور من شروط يتعين تحقيقها قبل إجراء المشاورة، لا بد أن يكون التشاور مع إنسان مخلص يشعر لشعورك ويتألم لآلامك ويسر بسرورك، وإلا فلا خير لك في مشاورته لأنه العدو الخفي، ولا بد أن يكون التشاور مع إنسان عارف بالأمور بمصادرها ومواردها، فمشاورة الجاهل جهل وحمق لأن الجاهل وإن كان حسن النية إلا أن جهله وعدم معرفته بالأمور قد يوقع في المحذور، والناس من هذه الناحية يختلفون بحسب معرفتهم، فأهل العلم والدين نستشيرهم في الأمور الدينية، وأهل البيع والسلع نستشيرهم في أمور البيع والشراء، وكل إنسان نستشيره فيما يكون من اختصاصه، وربما يكون للشخص اختصاص ومعرفة في عدة أمور فنستشيره فيها، ولا بد أن يكون التشاور مع إنسان ذي دين وتقوى لله عز وجل لأن صاحب الدين لا ينالك منه غش، فإن المؤمن المتقي يعلم أنه لا يظهر كلمة من فمه إلا حوسب عليها يوم القيامة، فتجده يحاسب نفسه قبل أن يقدم على إخراج الكلمة كما أنه يحاسب نفسه عند الأفعال فلا يدخل في فعل إلا وقد حاسب نفسه كيف يدخل وكيف يخرج، فإذا اجتمع الإيمان والمعرفة في شخص فناهيك به أهلا للمشورة. فعلى الإنسان أن يختار للمشورة أهل الإيمان والمعرفة والنصح، وعلى الإنسان الذي أدلى إليه أخوه بمشورة أن يشير عليه بما يعتقده أصلح له في دينه ودنياه، وأن لا يحابي في مشورته وينظر إلى هواه، فإن بعض الناس إذا استشاره أخوه في أمر من الأمور ورأى هواه وميله إلى جهة