للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثالثة في بعض شروط البيع]

الخطبة الثالثة

في بعض شروط البيع الحمد لله الذي أباح لنا من التعامل كل معاملة مبنية على العدل والصدق والبيان وحرم علينا كل معاملة مبنية على الظلم والكذب والكتمان، ونظم لنا طرق التعامل أحسن نظام وأكمله حتى كان ذلك النظام كفيلا للتعايش بين الناس بالمحبة والألفة والرحمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أحسن كل شيء خلقه وأحكم كل نظام شرعه وهو أحكم الحاكمين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل النبيين وإمام المتقين وحجة الله على الخلق أجمعين المبعوث رحمة للعالمين وقدوة للعاملين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.

أما بعد، أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أن هذا الدين دينكم الذي تفتخرون به، وحق لكم أن تفتخروا به فإنه الدين الذي نظم للعباد سبل معاملتهم مع الله ومعاملتهم مع عباد الله، فكما أن الله شرع لكم عبادات تتعبدون الله بها على حسب ما أمركم به وأرشدكم إليه، وأنكم لا يمكنكم أن تعبدوا الله إلا بما رضيه وشرعه لا يمكنكم أن تعبدوه بما تهواه أنفسكم، فكذلك أذن لكم في معاملات تتعاملون بها فيما بينكم على حسب ما أباحه وأذن به لا على حسب ما تريدون وتشتهون. فالبيع له شروط شرعية، والإجارة لها شروط شرعية، والهبة والرهن والوقف وغيرها كل ذلك له شروط يجب اعتبارها والتعامل على وفق حدودها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون.

أيها الناس إن أكثر المعاملات وقوعا هو البيع والشراء، وإن للبيع والشراء شروطا لا بد منها إذا فقدت أو فقد بعضها لم يصح البيع، فمن تلك الشروط أن لا يشتمل العقد على غرر فإن كان في العقد غرر فهو باطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر. فمن الغرر أن يكون الثمن مجهولا أو السلعة مجهولة. وقد سمعنا أن بعض الناس يجمع أنواعا من السلع مجهولة العدد مختلفة القيمة فيبيعها جميعا بسعر واحد، وهذا جهالة واضحة، فإن السلع الرخيصة قد تكثر فيكون المشتري مغبونا، وقد يكون الأمر بالعكس فيكون البائع مغبونا، وقد يكون البائع عالما بالأمر ولكن يريد تغرير المشتري وخداعه، كما سمعنا أن بعض الناس يبيع جميع ما في دكانه بسعر واحد والمشتري لا يدري ما قدر كل سلعة فيه، وهذه جهالة وغرر حرام باطل لا يجوز

<<  <  ج: ص:  >  >>