للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية في عقوبة الزنا واللواط]

الخطبة الثانية

في عقوبة الزنا واللواط الحمد لله الذي شرع عقوبة العصاة ردعا للمفسدين وصلاحا للخلق أجمعين وكفارة للطاغين المعتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل النبيين وقائد المصلحين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.

أما بعد، أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعرفوا نعمة الله عليكم بهذا الدين القويم الجامع بين الرحمة والحكمة، رحمة في إصلاح الخلق وحكمة في اتباع الطريق الموصل إلى الهدف الأسمى.

أيها الناس: إن من طبيعة البشر أن يكون لهم نزعات متباينة، فمنها نزعات إلى الخير والحق، ومنها نزعات إلى الباطل والشر كما قال الله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: ٤]

ولما كانت النفوس الشريرة والنزعات الخاطئة والأعمال السيئة لا بد لها من رادع يكبح جماحها ويخفف من حدتها، شرع رب العباد وهو الحكيم العليم الرؤوف الرحيم حدودا وعقوبات متنوعة بحسب الجرائم لتردع المعتدي وتصلح الفاسد وتقيم المعوج وتكفر عن المجرم جريمته، إذ لا يجمع الله عليه بين عقوبة الدنيا والآخرة، فأوجب إقامة الحدود على مرتكبي الجرائم كل بحسب جريمته. فالسارق تقطع يده لأنه يسرق بها غالبا، وقطاع الطريق إذا قتلوا قتلوا وإن أخذوا المال فقط قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف لأنهم يستعينون على قطع الطريق بأرجلهم وأيديهم، فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف نكالا وجزاء من جنس العمل. وقاذف المحصنات والمحصنين يجلد ثمانين جلدة حتى لا تنتهك الأعراض، وشارب الخمر عقوبته يحصل بها الردع عند تناول هذا الشراب الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أم الخبائث ومفتاح كل شر. أما جريمة فساد الأخلاق وانهيار المجتمع، تلك الجريمة التي تكمن في فعل الزنا واللواط فإنها جريمة عظيمة رتب الشارع عليها عقوبة أكبر، فالزاني الذي يطأ فرجا حراما إما أن يكون محصنا وأما أن يكون غير محصن، فالمحصن هو البالغ العاقل الذي تزوج امرأة ووطئها بنكاح صحيح، فإذا زنى فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت ثم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين إذا كان مسلما، وأما غير المحصن وهو من لم يتزوج على الوصف الذي ذكرناه فإنه إذا زنى جلد مئة

<<  <  ج: ص:  >  >>