في نعيم الجنة الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس لعباده المؤمنين نزلا ونوع لهم الأعمال الصالحة ليتخذوا منها إلى تلك الجنات سبلا وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه وضرب مدة الحياة الفانية دونه أجلا أودعها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وكملها بدوام نعيمها فأهلها خالدون فيها أبدا لا يبغون عنها حولا. والحمد لله الذي أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ولم يترك عباده هملا غير مأمورين ولا منهيين فقامت الحجة وانتفت الشبهة وبانت الطريق لمن أراد سلوكها غير أنه بحكمته زين لهم هذه الدار فكانت فتنة افتتن بها قوم فغفلوا عما أريد بهم ونسوا دار القرار وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له فاطر السماوات والأرض وجامع الناس ليوم الميعاد والعرض ليجزيهم بما عملوا من خير وشر:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}[آل عمران: ٣٠] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه بعثه الله تعالى للإيمان مناديا وإلى دار السلام داعيا وبالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا وفرض على العباد طاعته والقيام بحقوقه وسد جميع الطرق إلى الجنة فلم يفتحها لأحد إلا من طريقه فبلغ رسالة ربه ونصح لعباده حتى لحق بالرفيق الأعلى وترك أمته على المحجة البيضاء فسلكها الراغبون في جنات النعيم وعدل بها المخذولون إلى طريق الجحيم فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ - وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: ١٣٣ - ١٣٥] سارعوا إلى جنة لا يفنى نعيمها ولا يبيد وليس في نعيمها انقطاع ولا تنغيص ولا تنكيد ساكنوها أفضل عباد الله الرسل والأنبياء والأولياء والأصفياء والصالحون والشهداء إخوانا على سرر متقابلين قد نزع الله ما في صدورهم من الغل فكانت صفاء وطهر الله ألسنتهم من السوء فقالت صوابا: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا - إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا}[الواقعة: ٢٥ - ٢٦] يتحدثون