للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية فيما تكون فيه الأمانة]

الخطبة الثانية

فيما تكون فيه الأمانة الحمد لله الذي فرض على العباد أداء الأمانة، وحرم عليكم المكر والخيانة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من يرجو بها النجاة يوم القيامة وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختم به الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الموصوفين بالعدالة وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وأدوا الأمانة التي حملتموها وتحملتم مسئوليتها حملتموها بما وهبكم الله من العقل وأرسل إليكم من الرسل. أدوا الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا. أدوا الأمانة فإنكم عنها مسئولون وعلى حسب القيام بها. أو التفريط فيها مجزيون، فإما مغتبطون بها مسرورون، وإما نادمون في إضاعتها حزنون، أدوا الأمانة فيما بينكم وبين الله وأدوها فيما بينكم وبين عباد الله.

أما أداؤها فيما بينكم وبين ربكم فأن تقوموا بطاعته مخلصين له الدين وتتعبدوا بما شرعه متبعين لرسوله غير زائدين عليه ولا ناقصين فلن يقبل الله عملا حتى يكون خالصا لوجهه موافقا لشرعه.

وأما أداء الأمانة فيما بينكم وبين العباد فأن تقوموا بما أوجب الله عليكم من حقوقهم بحسب ما يقتضيه العمل الذي التزم به الإنسان نحو غيره من الناس. فولاة الأمور صغارا كانوا أو كبارا رؤساء أو مديرين أمانتهم أن يقوموا بالعدل فيما ولوا عليه، وأن يسيروا في ولايتهم حسبما تقتضيه المصلحة في الدين والدنيا وأن لا يحابوا في ذلك قريبا ولا صديقا ولا قويا ولا غنيا ولا شريفا، فلقد أقسم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو الصادق بدون قسم لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع يدها. أقسم على ذلك علنا وهو يخطب الناس، حينما شفع إليه في رفع الحد عن المرأة التي من بني مخزوم، أقسم على ذلك تشريعا للأمة وتبيانا للمنهج السليم الذي يجب أن يسير عليه ولاة الأمور. وعلى ولاة الأمور أن يولوا الأعمال من هو أحق بها وأجدر وأقوم وأنفع. إن من خيانة الأمة وخيانة العمل أن يولى على المسلمين أحد وفيهم من هو خير منه في ذلك العمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>