في التحذير من الربا في الذهب إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك به وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا.
أما بعد: فقد قال الله عز وجل {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا - يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء: ٢٧ - ٢٨] هكذا يقرر الله تعالى هذه الكلية العامة الشاملة لكل إنسان، إن كل إنسان خُلِق ضعيفًا، خُلِق ضعيفًا في نشأته {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ - مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ}[عبس: ١٨ - ١٩] نطفة صبابة من الماء المهين. وخلق ضعيفًا في عِلْمه {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: ٨٥] فعِلْمه قليل ومحفوف بآفتين جهل قبل العلم ونسيان بعده فهو لا يعلم الغيب ولا يعلم المستقبل حتى في تصرفاته الخاصة {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}[لقمان: ٣٤] خلق ضعيفًا في تصرفه وإدراكه قد يتصور البعيد قريبًا والقريب بعيدًا والنافع ضارًّا والضار نافعًا ولا يدرك النتائج التي تتمخص عن تصرفاته.
ومن أجل هذا الضَّعْف وهذا القصور رحم الله الخَلْق بإرسال الرسل وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط فيسيروا على صراط الله المستقيم ويستنيروا بهدى الله العليم الحكيم ولئلا يبتدعوا تشريعات من عند أنفسهم يسلكون بها المتاهات في الظلم والجور والنزاع والخلاف أو يسنوا أنظمةً متناقضةً فوضويةً إن أصلحت جانبًا من الحياة أفسدت جوانب أو يتبعوا أهواءهم ويطلقوا حرياتهم في تصرفاتهم وفي معاملاتهم ولا يمكن لشخص أن يطلق حريته بدون قيود إلا كان ذلك على حساب حرية الآخرين.
ولقد عمي قوم أو تعاموا عن الحق حيث ظنوا أو زعموا أن شرائع الله تعالى إنما جاءت لإصلاح العبادات والأخلاق دون المعاملات فاتبعوا أهواءهم في معاملاتهم فشرعوا القوانين وتصرفوا كما يشاؤون فشاركوا الله تعالى في شرعه وعتوا عن أمره في شريعته {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ - لِيَوْمٍ عَظِيمٍ - يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين: ٤ - ٦] أفلا يرجع هؤلاء إلى رشدهم