للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة العاشرة في الإيمان بالقدر]

الخطبة العاشرة

في الإيمان بالقدر الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا: ودبر عباده على ما تقتضيه حكمته وكان لطيفا خبيرا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وكان على كل شيء قديرا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله وآمنوا برسوله فالإيمان أن يؤمن العبد بالله وملائكته وكتبه ورسله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: ٢٨٥] ومن الإيمان أن تؤمن بقضاء الله وقدره فآمنوا بأن الله بكل شيء عليم علم ما كان في الماضي وما سيكون في المستقبل علم ذلك جملة وتفصيلا لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: ١٦] آمنوا بكمال علم الله وسعة علمه وآمنوا بكمال حفظه وتمام رعايته وأنه كتب في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ما سيكون إلى يوم القيامة فإن أول ما خلق الله القلم قال له أكتب قال رب وماذا أكتب قال أكتب ما هو كائن فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: ٧٠] {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: ٢٢] أيها المسلمون آمنوا بمشيئة الله في عموم ملكه فإنه ما من شيء في السماوات أو في الأرض إلا وهو ملك لله عز وجل: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: ١٢٠] وما من شيء في ملكه إلا وهو بمشيئته وإرادته فبيده الملك وبيده مقاليد السماوات والأرض ما من شيء يحدث من رخاء وشدة وخوف وأمن وصحة ومرض وقلة وكثرة إلا بمشيئته سبحانه وتعالى.

وآمنوا أيها المسلمون بعموم خلق الله لكل ما في السماوات والأرض: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: ٦٢] {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦] فإن الله خالق السماوات والأرض ومدبرهما وخالق الإنسان ومدبره فللإنسان عزيمة وإرادة وله قدرة وعمل والذي أودع

<<  <  ج: ص:  >  >>