فيه تلك العزيمة وخلق فيه تلك القدرة هو الله عز وجل ولو شاء لسلبه الفكر فضاعت إرادته ولو شاء لسلبه القدرة فما استطاع العمل.
أيها المسلمون: إن الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة لا يتم الإيمان إلا به لكنه ليس حجة للإنسان على فعل معاصي الله أو التهاون بما أوجب الله وجه ذلك أن الله أعطاك عقلا تتمكن به من الإرادة وأعطاك قدرة تتمكن بها من العمل فلذلك إذا سلب عقل الإنسان لم يعاقب على معصية ولا ترك واجب وإذا سلب قدرته على الواجب لم يؤاخذ بتركه.
إن الاحتجاج بالقدر على المعاصي أو ترك الواجبات حجة داحضة باطلة أبطلها الله في كتابه ويبطلها العقل والواقع.
أبطلها الله في كتابه فقال تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥] ولو كان القدر حجة لم ترتفع بإرسال الرسل لأن القدر ثابت مع إرسال الرسل. وقال تعالى:{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}[الأنعام: ١٤٨] فلو كان الاحتجاج بالقدر حجة صحيحة وعذرا مستقيما لما أذاق الله المحتجين به على شركهم بأسه لأن الله لا يظلم أحدا.
إن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي وترك الواجبات حجة داحضة يبطلها العقل وذلك لأن المحتج بالقدر ليس عالما بالقدر فيبني عمله عليه فكيف يحتج بما ليس له تأثير في فعله إذ لا تأثير للشيء في فعل الفاعل حتى يكون عالما بهذا المؤثر.
ولو أن أحدا اعتدى على شخص بأخذ ماله أو قتله وقال هذا شيء بقضاء الله وقدره لم يقبل المعتدي عليه ولا الناس عذره فكيف لا يقبل الاحتجاج بالقدر من غيره إذا اعتدى عليه ويحتج به لنفسه إذا اعتدى على حق الله.
إن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي وترك الواجبات حجة داحضة يبطلها الواقع فإن كل شخص يرغب الوظيفة إذا سمع بمسابقة عليها سعى في ذلك حتى يصل إلى الوظيفة وإن وصوله إلى الوظيفة حاصل بقضاء الله وقدره بلا شك ومع ذلك فقد سعى للوصول إليها بما يستطيع من الأسباب ولم يترك العمل للوصول إليها فلماذا يترك ما أوجب الله عليه وهو قادر على فعله عالم أنه يوصله إلى رضوان الله والجنة ثم يحتج بالقضاء والقدر لماذا لم يسع للوصول