في نجاة المتقين الحمد لله الجواد الكريم الشكور الحليم أسبغ على عباده النعم ودفع عنهم شدائد النقم وهو البر الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل العظيم والخير العميم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم صل الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد، أيها الناس: اتقوا ربكم وتعرفوا إليه في حال الرخاء يعرفكم في حال الشدة، تعرفوا إلى ربكم بالخضوع له والمحبة والتعظيم وكثرة العبادة ابتغاء مرضاته وتجنب معاصيه خوفا من عقابه الأليم، تعرفوا إلى الله بفعل الطاعات ما دمتم في زمن القدرة والإمكان قبل أن تتمنوا العمل فلا تستطيعوا إليه سبيلا.
عباد الله: يقول الله تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الزمر: ٦١] فمن اتقى الله تعالى وامتثل أمر الله واجتنب نهيه نجاه بمفازته، إذا وقع في هلكة أنجاه الله منها ويسر له الخلاص من ذلك، فالمتقون هم أهل النجاة، وشاهد ذلك ما وقع وما يقع للمتقين. ألم يبلغكم ما وقع لسيد المتقين حيث خرج صلى الله عليه وسلم من مكة ومعه صاحبه أبو بكر يخشيان على أنفسهما من قريش فنجاهما الله تعالى من ذلك وقريش على رؤوسهم، يقول أبو بكر: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا، فيقول له رسول الله:«لا تحزن إن الله معنا ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» فنجى الله تعالى نبيه بمفازته من غير أن يمسه سوء. ألم تسمع ما وقع لنبي الله يونس صلى الله عليه وسلم حيث ذهب عن قومه مغاضبا لهم لما عصوه فركب البحر فثقلت بهم السفينة فاقترع أهلها أيهم يلقى في البحر لتخف السفينة وينجو بعض من فيها ولا يهلكوا كلهم، فوقعت على قوم فيهم نبي الله يونس فألقوا في البحر فالتقم الحوت يونس {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء: ٨٧] فاستجاب له رب العالمين فأنجاه من الغم قال الله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ - لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الصافات: ١٤٣ - ١٤٤] ألم يأتكم نبأ الثلاثة من بني إسرائيل «باتوا في غار فانحدرت عليهم من الجبل صخرة سدت الغار فلا يستطيعون