في خصال الفطرة الحمد لله الذي فطر الخلق على ما تستحسنه العقول، وأيد ذلك بما أنزله على الرسول، ففطرة الله التي جبل الناس عليها خلقا أمرهم بها تعبدا وشرعا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عجزت عن إدراك حكمته الألباب، وذلت لعزته، وعظمته جميع الصعاب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالحنيفية ملة إبراهيم الذي اجتباه ربه وهداه إلى صراط مستقيم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم القويم وسلم تسليما.
أما بعد: أيها المؤمنون اتقوا الله تعالى، وأقيموا وجوهكم للدين حنفاء متمسكين بالفطرة التي فطر الناس عليها، وهي طهارة الباطن والظاهر، فأما طهارة الباطن، فهي تطهير القلب من الإشراك، وإخلاص العبادة لله وحده، والقيام بالأعمال الصالحات، وأما طهارة الظاهر، فمنها ما في الصحيح صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء يعني: الاستنجاء» قال الراوي، ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الختان من الفطرة، فهذه الأشياء العشرة كلها طهارة، وتنظيف تقضي بها الفطرة، وتستحسنها العقول، كما أن الشرع قد جاء بها، وحث عليها، فمنها قص الشارب وإحفاؤه، فإن بقاءه يجمع الأوساخ التي تمر به من الأنف، فإذا شرب الإنسان تلوث شرابه بها، فجاء الشرع والفطرة بإحفائه، وأما إعفاء اللحية وهو عدم التعرض لها بقص أو حلق أو نتف، فلأن الله خلقها تمييزا بين الذكور والإناث، وإظهارا للرجولية، والقوة، ولذلك لا تظهر إلا عند الحاجة إليها في وقت قوة الإنسان وجلده وتكليفه بمهمات الأمور أما في حال صغره، فلا تظهر؛ لأنه حينئذ لا يتحمل الأعباء، فجاء الشرع والقدر والفطرة بوجودها وإبقائها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها وإرخائها وتوفيرها، وقال: خالفوا المشركين، وفروا اللحي، واحفوا الشوارب، وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد هدوا إلى الفطرة، فكانوا يوفرون لحاهم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنهم على النور المبين والصراط المستقيم، فحلق اللحية حرام؛ لأنه خروج عن الفطرة، ومخالفة للرسل وأتباعهم، وموافقة للمشركين، وتغيير لخلق الله تعالى بلا إذن منه، وليس إبقاء اللحية من الأمور العادية كما يظنه بعض الناس، وإنما هو من