للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة السادسة عشرة في تخلف النصر عمن لم يقم بأسبابه]

الخطبة السادسة عشرة

في تخلف النصر عمن لم يقم بأسبابه الحمد لله حمدا كثيرا كما يحب ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وإليه المنتهى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن النصر من عند الله وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ولما كانت الأمة الإسلامية قائمة بشريعة الله حافظة لحدود الله مجاهدة في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا كانت منصورة ظافرة فتحت مشارق الأرض ومغاربها وكان لها السلطة والسيطرة على الأمم لأنها تقاتل لله وبالله وفي الله إخلاص لله تعالى واعتماد عليه والتزام بشريعته فلما اختلفت أهواؤها وتفرقت كلمتها وتشبعت مناهجها دب فيها الضعف وتكالبت عليها الأعداء وغزوها من كل جانب وبكل سلاح غزوها من ناحية الفكر والعقيدة فغيروا الأفكار وأفسدوا العقيدة، غزوها من ناحية الأخلاق والمثل العليا فأفسدوا الأخلاق وهدموا المثل، غزوها من ناحية المنهج والسلوك فضيعوها في متاهات الجهل والخرافات والبدع وفرقت الأمة دينها وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون وأبدلوا القوانين الشرعية الإلاهية بقوانين وضعية طاغوتية فحكموا بغير ما أنزل الله بل زعموا أن الحكم بما أنزل الله قد انقضى وقته وانقرض أهله فلا يطابق هذا العصر ولا يناسب أهله وما هو إلا رجعية وتخلف إلى الوراء: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٥٠]

فلما بلغت الأمة إلى هذا المستوى انحطت معنويتها ونزعت من قلوب أعدائها هيبتها وتسلط الأعداء عليها بقوة السلاح فغزوها غزوا عسكريا في حرب التتار وفي حرب الصليبيين النصارى وفي حرب الصهيونيين اليهود وفي حروب أخرى هناك وهناك.

وفي هذا الأسبوع تبجح رئيس وزراء اليهود بانتصاراته التي قال إنها أسعد أيامه مفتخرا برفع العلم اليهودي على أرض فلسطين قبل أكثر من ثلاثين عاما ومفتخرا بتوحيد القدس مدينة المسجد الأقصى لصالح الأمة اليهودية بعد أن كانت مقسومة بين اليهود والعرب وكان المسجد الأقصى في القسم العربي فاستولى اليهود عليه قبل عشرة أعوام وعلى أراض أخرى من أراضي العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>