[الخطبة الخامسة في العمل في العشر الأواخر من رمضان]
الخطبة الخامسة
في العمل في العشر الأواخر من رمضان الحمد لله الذي وفق برحمته من شاء من عباده، فعرفوا أقدر مواسم الخيرات، وعمروها بطاعة الله، وخذل من شاء بحكمته، فعميت منهم القلوب والبصائر، وفرطوا في تلك المواسم، فباءوا بالخسائر، وأشهد أن الله لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الحكيم القاهر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أقوم الناس بطاعة ربه في البواطن والظواهر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله تعالى جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، فهما خزائن الأعمال ومراحل الآجال يودعهما الإنسان ما قام به فيهما من عمل، ويقطعهما مرحلة مرحلة حتى ينتهي به الأجل، فانظروا رحمكم الله ماذا تودعونهما، فستجد كل نفس ما عملت، وتعلم ما قدمت وأخرت في يوم لا يستطيع به الخلاص مما فات:{يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ - بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ - وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}[القيامة: ١٣ - ١٥]
أيها الناس لقد قطعتم الأكثر من شهر الصيام، ولم يبق منه إلا اليسير من الليالي والأيام فمن كان منكم قام بحقه، فليتم ذلك، وليحمد الله عليه، وليسأله القبول، ومن كان منكم فرط فيه، وأساء، فليتب إلى ربه، فباب التوبة مفتوح غير مقفول.
أيها الناس إنكم في العشر الأخيرة من هذا الشهر الكريم، فاغتنموه بطاعة الله المولى العظيم أحسنوا في أيامه الصيام، ونوروا لياليه بالقيام، واختموه بالتوبة والاستغفار وسؤال الله العفو والعتق من النار كم أناس تمنوا إدراك هذا العشر، فأدركهم المنون، فأصبحوا في قبورهم مرتهنين لا يستطيعون زيادة في صالح الأعمال ولا توبة من التفريط والإهمال، وأنتم قد أدركتموها بنعمة الله في صحة وعافية، فاجتهدوا فيها بالعمل الصالح والدعاء لعلكم تصيبون نفحة من رحمة الله تعالى، فتسعدوا بها في الدنيا والآخرة.
عباد الله لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعظم هذا العشر، ويخصه بالاعتكاف في المسجد تفرغا لعبادة ربه، وتحريا لليلة القدر التي قال الله عنها في كتابه:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: ٣] ومعنى ذلك أنها خير من ثلاثين ألف ليلة أو قريبا منها خير منها في بركتها، وما يفيض فيها المولى الكريم على عباده من الرحمة والغفران وإجابة الدعاء وقبول الأعمال.