في خلق السماوات والأرض الحمد لله الذي رفع السماوات بغير عماد ووضع الأرض وهيأها للعباد وجعلها مقرهم أحياء وأمواتا فمنها خلقهم وفيها يعيدهم ومنها يخرجهم تارة أخرى يوم المعاد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مضاد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل العباد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله وأطيعوه وصدقوا بما أخبركم به واعتقدوه وارفضوا ما خالف كتابه وسنة نبيه من أقوال الناس وردوه لأن ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل زور وبهتان وما وافق الكتاب والسنة فهو حق ثابت لقيام الحجة والبرهان واعلموا أن الله سبحانه لم يشهد أحدا خلق السماوات والأرض فلا علم عند أحد في ذلك إلا ما جاء عن طريق الوحي: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}[الكهف: ٥١]
فكل من تكلم عن خلق السماوات والأرض من أي مادة هو وكيف وقع ومتى وقع كل من تكلم بذلك من غير طريق الوحي فإنما يتكلم عن أمر نظري وقياس ظني قد يصيب وقد يخطئ وقد يرفض وقد يغير إذ ليس أحد من البشر شاهد كيف خلق السماوات والأرض هذه هي الحقيقة الثابتة وعلى هذا فالاعتماد في ذلك على ما جاء في كتاب الله أوضح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المسلمون: لقد خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام فجعل السماوات سبعا والأرضين سبعا جعل الله السماوات سبعا طباقا بعضها فوق بعض: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا}[نوح: ١٥] وبناها بناء محكما قويا شديدا: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}[ق: ٦]- {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}[الذاريات: ٤٧](يعني بقوة){وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات: ٤٧]{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا}[النبأ: ١٢] أي قوية محكمة، جعل الله بين كل واحدة والأخرى مسافة فكان جبريل يعرج بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من سماء إلى سماء حتى بلغ السابعة.