للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثالثة في الحدود ووجوب إقامتها]

الخطبة الثالثة

في الحدود ووجوب إقامتها الحمد لله القوي العظيم العزيز الرحيم العليم الحكيم شرع عقوبة المجرمين منعا للفساد ورحمة للعالمين وكفارة لجرائم الطاغين المعتدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل النبيين وقائد المصلحين وأرحم الخلق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما. أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى واعرفوا نعمته عليكم بهذا الدين القويم الكامل الجامع بين الرحمة والحكمة رحمة في إصلاح الخلق وحكمة في سلوك الطريق الموصل إلى الإصلاح.

أيها الناس إن من طبيعة البشر أن يكون لهم إرادات متباينة ونزعات مختلفة فمنها نزعات إلى الحق والخير ومنها نزعات إلى الباطل والشر كما قال تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن: ٢] وقال تعالى {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: ٤] ولما كانت النزعات إلى الباطل والشر في ضرورة إلى ما يكبح جماحها ويخفف من حدتها من وازع إيماني أو رادع سلطاني جاءت النصوص الكثيرة بالتحذير من الباطل والشر والترغيب في الحق والخير وبيان ما يترتب على الباطل والشر من مفاسد في الدنيا وعقوبة في الآخرة وما يترتب على الحق والخير من مصالح في الدنيا ومثوبات نعيم في الآخرة، ولكن لما كان هذا الوازع لا يكفي في إصلاح بعض النفوس الشريرة الموغلة في الباطل والشر وكبح جماحها والتخفيف من حدتها فرض رب العالمين برحمته وحكمته عقوبات دنيوية وحدودا متنوعة بحسب الجرائم لتردع المعتدي وتصلح الفاسد وتقيم الأعوج وتظهر الملة وتستقيم الأمة وتكفر جريمة المجرم فلا تجتمع له عقوبة الآخرة مع عقوبة الدنيا.

ففرض الله الحدود وأوجب على ولاة الأمور إقامتها على الشريف والوضيع والغني والفقير والذكر والأنثى والقريب منهم والبعيد ففي الحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أقيموا حدود الله القريب والبعيد ولا تأخذكم في الله لومة لائم» ولقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأسامة بن زيد رضي الله عنه حين شفع إليه في امرأة من بني مخزوم كانت تستعير الشيء فتجحده فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقطع يدها فشفع فيها أسامة رضي الله عنه فأنكر عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال «أتشفع في حد من

<<  <  ج: ص:  >  >>