للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الرابعة في حكم اعفاء اللحية وتغيير الشيب]

الخطبة الرابعة

في حكم إعفاء اللحية وتغيير الشيب الحمد لله الذي فطر الخلق على الدين القيم ملة محمد وإبراهيم، ووفق من شاء برحمته، فاستقام على هدى النبيين والمرسلين، وخذل من شاء بحكمته، فرغب عن هديهم وسنتهم، وكان من الخاسرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها الفوز بدار النعيم والنجاة من العذاب الأليم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الخلق طريقة وأقومهم شريعة وأقربهم إلى الخير العميم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.

عباد الله: لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا خطب يوم الجمعة: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها» . ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، والهدي هو الطريق والشريعة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبادات والمعاملات والأخلاق الظاهرة والباطنة، ولقد كان من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وهديه الكامل إعفاء اللحية، وإحفاء الشارب قال جابر بن سمرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم يعفي لحيته، وكذلك الأنبياء الكرام قبله، قال الله تعالى عن هارون أنه قال لموسى: {يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} [طه: ٩٤] وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعفي لحيته، فقد أمر أمته بذلك كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «وفروا اللحي واحفوا الشوارب» فاجتمع في هاتين الفطرتين أعني إحفاء الشوارب، وإعفاء اللحى قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وتبين أن هذا هو هديه، وهدي الأنبياء قبله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم» فتمسكوا أيها المسلمون بهدي نبيكم، فإنه خير لكم في الدنيا والآخرة، إن التمسك بهديه يورث الوجه نضرة، والقلب سرورا، والصدر انشراحا، والبصيرة نورا إن الحياة الطيبة، ونعيم القلب والروح لا يحصلان إلا بالإيمان والعمل الصالح، قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧] ولا سيما إذا التزم العبد شريعة الله مع قوة الداعي إلى مخالفتها، فإن ذلك أعظم لأجره، وأكمل لإيمانه، فالإنسان ربما يشق عليه إعفاء اللحية؛ لأنه ينظر إلى أناس نظراء له قد حلقوا لحاهم فيحلق لحيته اتباعا

<<  <  ج: ص:  >  >>