[الخطبة الثانية في وجوب التناصح بين الرعية والرعاة]
الخطبة الثانية
في وجوب التناصح بين الرعية والرعاة الحمد لله الملك القهار القوي العزيز الجبار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والمجد والاقتدار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله قد شرع لعباده على لسان أفضل رسله أكمل شريعة وأتمها وأقومها بمصالح العباد وأعمها، وقد جاءت تلك الشريعة الكاملة مبينة ما يجب على الرعاة من الحقوق لرعيتهم، وما يجب على الرعية من الحقوق لرعاتهم.
أما حقوق الرعاة على رعيتهم فهي السمع والطاعة بامتثال ما أمروا به وترك ما نهوا عنه ما لم يكن في ذلك معصية لله ورسوله، فإن كان في طاعة الولاة معصية لله ورسوله فلا سمع لهم ولا طاعة. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وفي الصحيحين عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال:«بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبا، ثم دعا بنار فأضرمها فيه ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها، فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف» ، وقد «أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعة من له الأمر وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك» ، وقال:«من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية» .
عباد الله، إن من حقوق الرعاة على رعيتهم أن يناصحوهم ويرشدوهم، وأن لا يجعلوا من خطئهم إذا أخطئوا سلما للقدح فيهم ونشر عيوبهم بين الناس، فإن ذلك يوجب التنفير عنهم وكراهتهم وكراهة ما يقومون به من أعمال وإن كانت حقا، ويوجب عدم السمع والطاعة لهم، وإن من الواجب على كل ناصح وخصوصا من ينصح ولاة الأمور أن يستعمل الحكمة في نصيحته ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن رأى ممن ينصحه من ولاة الأمور قبولا للحق وانقيادا له فذلك، وإلا فليتثبت في الأمر وليتحقق من وقوع الخطأ منه وإصراره