في شروط وجوب الحج الحمد لله الذي أكمل لهذه الأمة شرائع الإسلام، وفرض على المستطيع منهم حج بيته الحرام، ورتب عليه جزيل الفضل والإنعام، فمن حج البيت، ولم يرفث، ولم يفسق خرج كيوم ولدته أمه نقيا من الذنوب والآثام، وذلك هو الحج المبرور ليس جزاء إلا الفوز بالجنة دار السلام أحمده، وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله هو الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صلى، وزكى، وحج، وصام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام، وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله، واحمدوا ربكم أن أكمل لكم الدين، وأتم عليكم النعمة، ويسر لكم سبل الخيرات حتى أصبحت في متناول أيديكم من غير كلفة، فلقد كان الناس فيما مضى يعانون من الوصول إلى البيت أنواع الكلفة والمشقات، يعانون كثرة النفقات المالية والمشقة البدنية، وتحمل الأخطار، أما اليوم، ولله الحمد، فقد أصبح الأمر يسيرا، ويسر الله بنعمته وفضله ما كان عسيرا، فأصبحتم تصلون إلى البيت الحرام بكل سهولة نفقات يسيرة ومراكب مريحة، وأمن وافر وطمأنينة كاملة، وعيش رغد، فاشكروا الله أيها المسلمون على هذه النعمة، واغتنموها، وانتهزوا فرص الخيرات، وابتدروها، وأدوا ما فرض الله عليكم من الحج، وتزودوا من التطوع به، فإن التطوع تكمل به الفريضة. واعلموا أن الله فرض الحج على المسلم، إذا تمت فيه شروط أربعة (الأول) : أن يكون بالغا، فأما الذي لم يبلغ، فإنه لا يجب عليه الحج، ولكن إذا حج، فله أجره، وإذا بلغ حج فريضة الإسلام، وإذا سافرتم بالصغار إلى الحج، فأنتم بالخيار إن شئتم، فحججوهم، وإن شئتم، فاتركوهم، وإذا حججتموهم، فلهم أجر الحج، ولكم أجر المعونة، والسبب (الشرط الثاني) : أن يكون عاقلا، فأما المجنون الذي لا يعقل، فلا حج عليه إلا أن يكون عاقلا بعد بلوغه، ووجب عليه الحج، ثم حصل له الجنون بعد ذلك. (الشرط الثالث) : أن يكون حرا، فأما العبد الرقيق الذي يباع، ويشترى، فلا حج عليه (الشرط الرابع) : أن يكون مستطيعا بماله، وبدنه، فمن لم يكن مستطيعا بماله، وهو الفقير، فلا حج عليه لقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧] وإذا كان على الإنسان