في تحريم الوصية لبعض الورثة الحمد لله الذي من علينا بالأموال وجعلها قياما للناس في مصالح الدنيا والدين ونظم لهم اكتسابها وتصريفها والتصرف فيها تنظيما عادلا مستقيما لا يضاهيه شيء من النظم والقوانين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ملك يوم الدين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على جميع الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد، أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه على ما خولكم من هذه الأموال واتخذوها قربة لكم إلى الكبير المتعال، عباد الله لقد نظم لكم ربكم التصرف في هذه الأموال اكتسابا وتصريفا فبين لكم كيف تكسبونها وكيف تتصرفون فيها وتصرفونها، نظم ذلك لكم في حياتكم وبعد مماتكم. ففي حياة الإنسان يستطيع الحر المكلف الرشيد أن يتصرف في ماله بيعا وشراء وإجارة ورهنا ووقفا وهبة ووصية على حسب الحدود الشرعية التي بينها الشارع، وذلك معلوم ولله الحمد. وبعد ممات الإنسان حفظ الله له المال بأن يتولى قسمه بنفسه على أولى الناس به ففرض المواريث وقسمها وقال {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء: ١١] وأخبر أن هذه حدوده وقال {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ - وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[النساء: ١٣ - ١٤] وقال نبيه صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث» ، فلا يجوز لأحد أن يوصي لبعض ورثته دون بعض لا بشيء من أعيان المال ولا بشيء من منافعه وغلاته. فلو أراد أحد أن يوصي لبعض الورثة بدراهم أو عقار لكان جائرا في الوصية ولم يجز تنفيذها إلا بإجازة بقية الورثة المرشدين، وكذلك لا يجوز أن يوصي لبعض ورثته بأجرة شيء من عقاره أو مغله سواء أوصى له بذلك دائما أو مدة معينة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا وصية لوارث» وقد أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وأن الوصية للوارث حرام، وفي الحديث «أن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار» . أيها