[الخطبة الثالثة في مبدأ حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة]
الخطبة الثالثة
في مبدأ حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد البعثة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أنزل الله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ - وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ - وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[المدثر: ١ - ٥] قام صلى الله عليه وسلم ممتثلا لأمر ربه متوكلا عليه واثقا به فدعا الناس إلى عبادة الله وكان بدء الدعوة سرا فآمن به رجال من قريش وكان أولهم إسلاما أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأسلم على يديه رضي الله عنه خمسة من المبشرين بالجنة عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وهؤلاء الخمسة مع أبي بكر وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة هم الثمانية الموصوفون بالسبق إلى الإسلام. وأسلم غيرهم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم سرا ويرشدهم إلى ما أرشده الله إليه من الإسلام في دار الأرقم بن أبي الأرقم لمدة ثلاث سنين حتى أنزل الله عليه قوله:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}[الحجر: ٩٤]«فصعد صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي يا بطون قريش فاجتمع الناس إليه حتى كان الرجل إذا لم يستطع أن يأتي أرسل رسولا لينظر الخبر فلما اجتمعوا قال لهم صلى الله عليه وسلم إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة» فقال له عمه أبو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا وسخر به وبما قال فأنزل الله فيه سورة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}[المسد: ١] ثم أنزل الله على رسوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشعراء: ٢١٤] فجمعهم صلى الله عليه وسلم وقال «والله لو كذبت الناس كلهم ما كذبتكم والله إني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة والله لتموتن ولتبعثن ولتحاسبن ولتجزون وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا» فتكلم القوم كلاما لينا لكن أبا لهب قال خذوا على يديه قبل أن تجتمع العرب عليه فإن سلمتموه ذللتم وإن منعتموه قتلتم فمانعه أبو طالب وقال لنمنعنه ما بقينا. ثم انصرف الجمع بدون طائل ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يدعو إلى الله تعالى علنا وجهرا وكان الناس يسخرون به يقولون هذا غلام عبد المطلب يكلم من السماء هذا ابن أبي كبشة. ثم إنه صلى الله عليه وسلم جعل يسفه