للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية في تفسير بعض الآيات من سورة الطور]

الخطبة الثانية

في تفسير بعض الآيات من سورة الطور الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا بل جعله قيما يهدي للتي هي أقوم لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي زاده الله هدى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وتبصروا فيما جرى للأنبياء من أممهم المكذبين وملإ قومهم الظالمين حيث كذبوا رسلهم وعابوهم ورموهم بكل باطل وانتقصوهم قالوا لأنبيائهم إنهم سحرة وقالوا إنهم مجانين {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ - أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: ٥٢ - ٥٣]

وكذلك المكذبون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصفوه بكل قول قبيح هم أحق به منه فقالوا عما جاء به من القرآن: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر: ٢٤]- {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الفرقان: ٨]

ولكن الله سبحانه وتعالى يدافع عنه ويؤيده وينصره ويجعل العاقبة له.

وفي سورة الطور من الدفاع عنه وتأييده ما يدل على كمال عناية الله به ونصره له لقد قالوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنه كاهن ومجنون ليحولوا بينه وبين القيام بدعوته ويفتروا من همته وعزيمته وينفروا الناس عنه وعن شريعته فقال الله عز وجل {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} [الطور: ٢٩] نعم ما هو بما أنعم الله به عليه من النبوة كاهنا ولا مجنونا بل هو نبي صادق أكمل الناس عقلا وأحسنهم تصرفا وقالوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنه شاعر ننتظر به الموت والهلاك كما مات من قبله الشعراء فقال الله لنبيه {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [الطور: ٣١] انتظروا فليس ريب المنون خاصا بي دونكم فأنا متربص بكم الهلاك وإن الهلاك إليهم أسرع {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الطور: ٣٢] هل عقولهم تملي عليهم مثل هذا القول الفاسد لا لأن كل عاقل يعرف أن القرآن ليس بشعر وأن الهلاك لا يختص به من جاء به ولكنهم قوم طاغون معتدون {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} [الطور: ٣٣] أي تقول القرآن وجاء به من عنده وكذبه على الله.

قال تعالى ردا عليهم ببيان حالهم ثم تحديهم {بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الطور: ٣٣] فهم يعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يتقول هذا القرآن ولا يمكن أن يتقوله لأنه قوال الخالق ولا يمكن

<<  <  ج: ص:  >  >>