للمخلوق أن يأتي بمثله ولكن الحامل لهم على هذه الدعوى الباطلة كفرهم وجحودهم ثم تحداهم الله تعالى إن كانوا صادقين فقال:{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ}[الطور: ٣٤] أي مثل القرآن في البلاغة والهداية والعلوم النافعة والأعمال الصالحة والعقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة ولقد عجزوا على ذلك مع أنهم أمراء البيان وملوك الفصاحة ولما تحداهم الله تعالى وأظهر عجزهم عن القدح في آيته الشرعية القرآن تحداهم سبحانه بالآية الكونية فقال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور: ٣٥] يعني هل خلقوا من غير خالق هل خلقوا صدفة بدون سبب؟ أمر لا يمكن لن كل مخلوق فله خالق وكل حادث فله محدث وإذا كان لا بد من خالق لهم فهل هم الذين خلقوا أنفسهم؟ أمر لا يمكن أيضا لا يمكن لأي شخص أن يدعي أنه خلق نفسه كيف وهو قبل أن يوجد معدوم ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه خلق غيره أيضا لا يمكن لأحد أن يدعي أن يطور الجنين في بطن أمه نطفة ثم علقة ثم إنسانا حيا نفخت فيه الروح وإذا ثبت أنهم لم يحدثوا صدفة ولم يخلقوا أنفسهم تعين أن خالقهم هو الله عز وجل كما أقروا بذلك {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}[الزخرف: ٨٧] ثم انتقل الله من تحديهم فيما يتعلق بخلق أنفسهم إلى ما يتعلق بخلق أعظم وأكبر فقال: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[الطور: ٣٦] لا لم يخلقوا السماوات والأرض ولا يمكن أن يدعو ذلك بل هم يقرون بأن خالق السماوات والأرض هو الله {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}[لقمان: ٢٥]
إذا كانوا يقرون بأن الذي خلقهم وخلق السماوات والأرض هو الله عز وجل فلماذا لا يصدقون رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء بالوحي منه وأيد بالآيات البينات {بَل لَا يُوقِنُونَ}[الطور: ٣٦] بل هم في أمر مريج مضطرب وشك وريب.
ثم قال تعالى في سياق تحدي هؤلاء المكذبين {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ}[الطور: ٣٧] يمنعونها عمن يشاؤن ويعطونها من يشاؤن فيدعون أنهم لم يعطوك النبوة وأنك كاذب فيها.
لا ليس عندهم خزائن الله وإنما خزائن الله عنده وفضل الله يؤتيه من يشاء {أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ}[الطور: ٣٧] هل لهم السيطرة والسلطان والملك فيحجرون على الناس في تصرفهم لا ليست لهم السيطرة ولا السلطان ولا الملك فنفى الله عنهم السلطتين سلطة البذل والعطاء وسلطة السيطرة والقوة إذن فهم لا يستطيعون أن يمنعوا فضل الله أو يعطوه غير من أراد الله.
قال جبير بن مطعم -رضي الله عنه- «سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ