هذه الآيات كاد قلبي أن يطير» وكان سماعه لذلك من أكبر ما حمله على الإسلام فأسلم -رضي الله عنه-.
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ}[الطور: ٣٨] أخبار السماء فيسمعوا أنك على الوصف الذي ذكروه من الكهانة والجنون والسحر والشعر والكذب لا ليس لهم سلم يستمعون فيه فإن كابروا وادعوا ذلك فالبينة على المدعي {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[الطور: ٣٨] حجة ظاهرة على دعواه ولن يستطيعوا ذلك أبدا.
وكان هؤلاء المكذبون للرسول العائبون له بما هو أحق به من العيب قد عابوا الله من قبل فسموا الملائكة بنات الله فليس بغريب عليهم إذا عابوا الله أن يعيبوا رسوله وهذه - والله أعلم - هي المناسبة في ذكر هذه الآية:{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}[الطور: ٣٩] في سياق عيبهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد أن أبطل الله في هذه الآيات الكريمات ما أدعاه المكذبون لرسوله تحداهم بالمطالبة ببيان سبب هذا التكذيب فقال سبحانه:{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا}[الطور: ٤٠] عوضا عن الإيمان بما جئت به واتباعه {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ}[الطور: ٤٠] فيريدون أن يتخلصوا مما طلبت بالتكذيب لا بل الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يعطيهم ويتألفهم على الإسلام {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}[الطور: ٤١] ما علموا من الغيب فيرون رسالتك معارضة لما عندهم فينكرونها خوفا من إبطال ما علموا من الغيب وكتبوه لا ليس عندهم علم من الغيب ولا كتابة فهم أمة أمية جاهلة فكان مقتضى العقل وحسن التصرف أن يفرحوا بما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا}[الطور: ٤٢] وهذا هو الواقع فإنهم لا يريدون بما وصفوا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا الكيد به وبدينه والقضاء عليه ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره {فَالَّذِينَ كَفَرُوا}[الطور: ٤٢] من أجل كفرهم وجحودهم {هُمُ الْمَكِيدُونَ}[الطور: ٤٢] وحدهم المقضي عليهم بالذل والهلاك ولما كان ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- كله دعوة إلى توحيد الله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
قال الله في ختام هذا الدفاع عن رسوله {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ}[الطور: ٤٣] يلجأون إليه ويعبدونه من دون الله حتى يحيدوا عن طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا ليس لهم إله سوى الله وما اتخذوه من الأوثان آلهة فليست آلهة حقيقية لأنها ناقصة معيبة:{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الطور: ٤٣] أن يكون مثل أصنامهم وأوثانهم ولما بين الله أن هؤلاء المكذبين ينكرون الآيات الشرعية ويكذبوها بين أنهم ينكرون الآيات الكونية أيضا فقال: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا}[الطور: ٤٤] قطعا من العذاب يسقط من السماء {يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ}[الطور: ٤٤] فهو أمر