[الخطبة التاسعة فيما سخره الله لبني آدم وأكرمهم به]
الخطبة التاسعة
فيما سخره الله لبني آدم وأكرمهم به الحمد لله الذي أكرم بني آدم وفضلهم على العالمين وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ليكونوا من الشاكرين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الكرم والفضل المبين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على العالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا ربكم واشكروا نعمته عليكم إن كنتم إياه تعبدون واعرفوا ما كرمكم به على العالمين وما خولكم به من الفضل في الأولين والآخرين فلقد خلق الله أباكم آدم بيده ونفخ فيه من روحه وعلمه أسماء كل شيء وأسجد له ملائكته وخلق له من نفسه زوجا ليسكن إليها وينشر الأولاد من بينهما ثم اذكروا نعمة الله عليكم حيث خلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث لا يعلمكم إلا الله ولا يستطيع أحد أن يوصل إليكم طعاما ولا شرابا ولا نفعا ولا ضرا جعل غذاءكم في بطون أمهاتكم من الدم الذي يتصل بالبدن من طريق السرة وينتشر في العروق ثم هيأ لكم بعد الخروج من بطون أمهاتكم ثديين تنهلون منها لبنا خالصا سائغا مناسبا في حرارته ومذاقه لطيفا في نفوذه في العروق وغذائه.
وتذكروا نعمة الله عليكم حيث أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا رحمة بكم وإحسانا إليكم فإنكم لو كنتم في تلك الحال تعلمون لما تحملت أجسامكم الصغيرة ألم الحياة ونكباتها وفتنها ثم أعطاكم الله الفهم شيئا فشيئا كلما ازددتم في العمر ازددتم في الفهم حتى يتم ذلك ثم اذكروا نعمة الله عليكم حيث خلق لكم ما في الأرض جميعا وأباح لكم من الطيبات ما تنالون به وطركم وأمركم بتناوله والتمتع به فقال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}[البقرة: ١٦٨] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[البقرة: ١٧٢] ونوع لكم هذه الأرزاق في أشكالها وأحجامها ومذاقها ومنافعها لتكمل لكم اللذة في التفكه بها ثم اذكروا نعمة الله عليكم فيما يسر لكم من الركوب: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ}[الزخرف: ١٢]{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[النحل: ٨] واذكروا نعمة الله عليكم حيث سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه أرسل الرياح مبشرات: